تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولو خرجت المرأة من بيتها بمجرد وقوع الطلاق، لأدى ذلك ـ كما هو الواقع ـ إلى زيادة الخلاف وإصرار الزوج على عدم الرجعة.

وبيَّن الله تعالى في الآية نفسها الحكمة من ذلك الحكم بقوله: (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً)، وهو تغيّر الحال ومراجعة الزوج لزوجته.

وانظر جواب السؤال رقم (14299 ( http://www.islamqa.com/ar/ref/14299)) .

5. أن الشرع جعل عدد الطلقات التي يملكها الزوج ثلاثاً.

والحكمة من ذلك ظاهرة، حتى يكون للرجل فرصة إذا ندم على الطلاق أن يراجع زوجته، لعل المخطئ منهما يصحح من خطئه، ثم أعطى الزوج فرصة أخرى، فإن طلق الثالثة فهذا يدل ـ في الغالب ـ على أنه لن تستقيم الأمور بينهما، فلا يبقى إلا الفراق.

قال الطاهور بن عاشور رحمه الله:

وحكمة هذا التشريع العظيم: ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق أزواجهم، وجعلهن لُعباً في بيوتهم، فجعل للزوج الطلقة الأولى هفوة، والثانية تجربة، والثالثة فراقاً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث موسى والخضر: (فَكَانَتْ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً، وَالثَّانِيَة شَرْطاً والثَّالثَةُ عَمْداً، فَلذلك قال له الخضر في الثالثة: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنك) الكهف: 78 – رواه البخاري (2578) رواه أحمد (35/ 56) وصححه المحققون.

" التحرير والتنوير " (2/ 415).

وقال ابن الهمام الحنفي رحمه الله في بيان حكمة الشرع في جعل عدد الطلقات ثلاثاً:

"لأن النفس كذوبة ربما تظهر عدم الحاجة إليها أو الحاجة إلى تركها وتسوله، فإذا وقع حصل الندم وضاق الصدر به وعيل الصبر، فشرعه سبحانه وتعالى ثلاثاً ليجرب نفسه في المرة الأولى، فإن كان الواقع صدقها استمر حتى تنقضي العدة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة، ثم إذا عادت النفس إلى مثل الأول وغلبته حتى عاد إلى طلاقها نظر أيضا فيما يحدث له، فما يوقع الثالثة إلا وقد جرب وفَقُهَ في حال نفسه، وبعد الثلاث تبلى الأعذار" انتهى.

وانظر "شرح فتح القدير" (3/ 465، 466).

6. مشروعية الوعظ للزوجة، وهجرها في المضجع، وضربها ضرباً غير مبرح، إذا خيف منها الترفع على الزوج، والتعالي عليه، كما في قوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيراً) النساء/34.

فلا يبدأ الزوج بالطلاق عند حدوث أدنى مشكلة بينه وبين زوجته، فهناك محاولات للإصلاح ينبغي السعي فيها قبل الطلاق.

7. مشروعية التحكيم بين الزوجين عند حدوث ما يعجز الزوجان عن حلِّه من مشكلات بينهما، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/35.

فلا يبادر الزوج بالطلاق عند تعذر حل المشكلة بل تكون هناك محاولة أخرى عن طريق هذين الحكمين.

فتبين بهذا: أن الإسلام لم يسهل في مشروعية الطلاق ووقوعه بل شدد في ذلك وضيق على الرجل، تقليلاً لوقوع الطلاق، وما ذلك إلا لأن الطلاق مكروه عند الله تعالى، وليس محبوباً.

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

الإسلام لم يضع الطلاق إلا كحل أخير للفصل بين الزوجين، ووضع حلولاً أوليَّة قبل اللجوء إلى الطلاق، فلو تحدثنا يا سماحة الشيخ عن هذه الحلول التي وضعها الإسلام لفض النزاع بين الزوجين قبل اللجوء إلى الطلاق؟.

فأجاب:

"قد شرع الله الإصلاح بين الزوجين واتخاذ الوسائل التي تجمع الشمل وتبعد شبح الطلاق، ومن ذلك: الوعظ، والهجر، والضرب اليسير إذا لم ينفع الوعظ والهجر، كما في قوله سبحانه: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) النساء/34.

ومن ذلك: بعث الحكمين من أهل الزوج وأهل الزوجة عند وجود الشقاق بينهما للإصلاح بين الزوجين، كما في قوله سبحانه: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) النساء/35.

فإن لم تنفع هذه الوسائل ولم يتيسر الصلح واستمر الشقاق: شرع للزوج الطلاق إذا كان السبب منه، وشرع للزوجة المفاداة بالمال إذا لم يطلقها بدون ذلك إذا كان الخطأ منها أو البغضاء لقول الله سبحانه: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/229؛ ولأن الفراق بإحسان خير من الشقاق والخلاف، وعدم حصول مقاصد النكاح التي شرع من أجلها، ولهذا قال الله سبحانه: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء/130، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه أمر ثابت بن قيس الأنصاري رضي الله عنهما لما لم تستطع زوجته البقاء معه لعدم محبتها له وسمحت بأن تدفع إليه الحديقة التي أمهرها إياها أن يقبل الحديقة ويطلقها تطليقة ففعل ذلك" رواه البخاري في الصحيح.

"فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 494، 495).

والله أعلم

موقع الإسلام سؤال وجواب

http://www.islamqa.com/ar/ref/142223

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير