وأخذت ناحية أفكر بالذي ... يجري وأرسل ناظري وأنقل
ماذا أرى رجل يحيط برأسه ... طوق وفي رجليه قيد محجل
من ذلك الرجل التعيس؟ فقال لي ... من عنده خبر يقين ينقل
هذا الذي خان العهود وعاش في ... دنياه يغتصب الحقوق ويأكل
يسطوا على مال الضعيف وأرضه ... واليوم يجني ماثراه ويحمل
الشبر في الدنيا يقابله هنا ... سبع من الأرضين بئس المحمل
ورأيت قوما يدعسون كأنهم ... نمل وقد ذاقوا الهوان وجللوا
من هؤلاء البائسون أراهم ... هانوا ومن كتب الكرامة أعقلوا
فأجابني: هم كل مختال له ... فيما مضى كبر عليه يعول
وذهلت عنهم حين أبصر ناظري ... رجل يساق الى الجحيم ويعتل
ووراءه امرأة يحيط بجيدها ... حبل يلف من الجحيم ويفتل
من ذلك الرجل الشقي وهذه ... تجري على أعقابه وتولول
هذا أبو لهب وزوجته التي ... كانت تجول على النبي وتجهل
وأخذت ناحية فلاح لناظري ... روض وأزهار ونور مقبل
غرف بطائنها الحرير وتربها ... مسك بماء المكرمات مبلل
ونساؤها حور فوجه مشرق ... كالشمس ساطعة وطرف أكحل
أنهارها عسل وخمر لذة ... للشاربين وشربها لايثمل
وبناؤها من فضة من فوقها ... ذهب وعند الله ماهو افضل
أقل من فيها نصيبا حظه ... أضعاف دنيانا وربك يجزل
رأيت فيها الساكنين ربوعها ... نحو الجنان وفي المنازل أنزلوا
على الأرائك يجلسون حديثهم ... مستبشرين بما رأوه وحصلوا
يتذكرون حوادث الدنيا التي ... صمدوا لها وعلى الإله توكلوا
طوبى لكم هذي منازلكم فما ... خابت مساعي من يجد ويعمل
أجلت طرفي في الوجوه فلاح لي ... وجه بدا وكأنما هو مشعل
وجه الرسول يشع نورا صادقا ... قد جاء في حلل السعادة يغفل
ورأيت أصحاب الرسول وقد مضوا ... نحو الجنان وفي المنازل أنزلوا
ورأيت مؤمن آل فرعون الذي ... نبذوا .. وصفحة وجهه تتهلل
والكوثر الرقراق لاتسأل فما ... مثلي يجيب وليس مثلي يُسأل
نهر كأن الدر يجري بينه ... أو أنه النور الذي يتسلسل
سبحان ربك هاهنا حصل الذي ... ماكان لولا فضل ربك يحصل
ورفعت طرفي لحظة فرأيت من ... لاشيء يشبهه وليس يمثل
نور تجلى للخلائق كلها ... فتواضعوا لجلاله وتذللوا
وقعوا سجودا يلهجون بذكره ... والكون بالصمت المهيب مكلل
سجدوا وأما المبطلون فحاولوا ... أن يسجدوا لكنهم لم يفعلوا
وصحوت من حلمي ونفسي بالذي ... شاهدت مؤمنة وعيني تهمل
وشعرت أن مظاهر الدنيا التي ... لهوى .. مظاهر نشوة لا تكمل
وعلمت ان الله يمهل عبده ... عطفا عليه وأنه لا يهمل
وهنا وقفت وفي فؤادي دوحة ... تحنو علي غصونها وتظلل
هي روضة الإيمان يجري نهرها ... عذبا ويشدوا في رباها البلبل