ثنا محمَّد بن يحيى ثنا أبو نعيم ثنا النعمان ([3]) - وهو: ابن داود بن محمَّد بن عبادة بن الصامت - عن عبادة بن الوليد عن أبيه الوليد بن عبادة عن عبادة ... «ومن انتقص من حقهن شيئا استخفافا لقي الله ولا عهد له، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له».
ثنا إسحاق أنا أبو عامر ثنا زمعة - وهو ابن صالح - عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن عبادة ... «فمن أداهن بحقوقهن وطهورهن وما افترضت عليه فيهن، فإن له عهدا أن أدخله الجنة، ومن انتقص من حقوقهن شيئا فلا عهد له علي، إن شئت عذبته، وإن شئت غفرت له».
قال ابن نصر: ومن حقوق الصلاة الطهارة من الأحداث، وطهارة الثياب التي تصلى فيها، وطهارة البقاع التي تصلى عليها، والمحافظة على مواقيتها التي كان يحافظ عليها النبي r وأصحابه - رضي الله عنهم -، والخشوع فيها من ترك الالتفات والعبث وحديث النفس، وترك الفكرة فيما ليس من أمر الصلاة، وإحضار القلب واشتغاله بما يقرأ ويقول بلسانه، وإتمام الركوع والسجود، فمن أتى بذلك كله كاملا على ما أمر به فهو الذي له العهد عند الله تعالى بأن يدخله الجنة، ومن أتى بهن ولم يتركهن وقد انتقص من حقوقهن شيئا فهو الذي لا عهد له عند الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، فهذا بعيد الشبه من الذي يتركها أصلا، لا يصليها) ا. هـ
وأنا أذهب إلى ما قاله محمَّد بن نصر، لما ذكر من الدليل، ويؤيده ما رواه الشاشي (1265) من طريق عمرو عن المطلب عن عبادة بن الصامت، ولفظه: «ومن أتى بهن قد أضاع شيئا من حقهن استخفافا، فإنه لم يكن له عند الله تعالى عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه».
والمطلب لم يسمع من عبادة، ولكن هذه الطريق تشهد لما تقدم.
وما رواه أحمد (22704) وأبو داود (425) وغيرهم من حديث محمَّد بن مُطرِّف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصُّنابحي عن عبادة، ولفظه: «خمس صلوات افترضهن الله تعالى على عباده، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، فأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه».
ويبدو من قوله عليه الصلاة والسلام: «ومن لم يفعل» أي: إحسان الوضوء وأداء الصلاة لوقتها، وإتمام الركوع والسجود والخشوع ([4]).
ويؤيد ذلك غير ما سبق ما رواه ابن نصر في «الوتر» (ص:249): ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا خالد بن مخلد القطواني ثني سليمان بن بلال ثني سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r : « كتب الله على العباد خمس صلوات، فمن أتى بهن وقد أدى حقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن أتى بهن وقد ضيع حقهن استخفافا لم يكن له عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه» ([5]).
وهذا رجاله ثقات سوى خالد بن مخلد فإنه لا بأس به، وخاصة ما رواه عن سليمان بن بلال وأهل المدينة، وقد خرج له البخاري ومسلم من روايته عن سليمان بن بلال.
وقال أبو العباس بن تيمية: (لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في «السنن» حديث عبادة ..... فالمحافظ عليها الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى، والذي ليس ([6]) يؤخرها أحيانا عن وقتها، أو يترك واجباتها، فهذا تحت مشيئة الله تعالى، وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه، كما جاء في الحديث) ا. هـ من «الفتاوى» (22/ 49)، وينظر: «الدرر السنية» (10/ 305).
فتبين مما سبق أن هذا الحديث ليس فيه حجة على أن تارك الصلاة ليس بكافر، بل فيه دليل على كفره، لأنه إذا كان يضيّع من حقها شيئا ويتهاون فيها كان تحت المشيئة، فإذا لم يصل فهو ليس تحت المشيئة، والله تعالى أعلم.
* * *
وأيضا من الأحاديث التي قد يستدل بها على عدم كفر تارك الصلاة:
ما رواه أحمد (19024) وأبو داود (428) وابن حبان (1741) والحاكم (1/ 20) وغيرهم من حديث فضالة الليثي قال: أتيت النبي r ، فأسلمت، وعلّمني حتى علّمني الصلوات الخمس لمواقيتهن، قال: فقلت له: إن هذه لساعات أشغل فيها، فمرني بجوامع. فقال لي: «إن شغلت فلا تشغل عن العصرين». قلت: وما العصران؟ قال: «صلاة الغداة، وصلاة العصر».
¥