قال ابن القيم (2): " والغناء أشد لهواً، وأعظم ضرراً من أحاديث الملوك وأخبارهم، فإنه رقية الزنا ومنبت النفاق وشرك الشيطان، وخمرة العقل 0 إذا عرف هذا بأهل الغناء، ومستمعوه لهم نصيب من هذا الذم بحسب إشتغالهم بالغناء عن القرآن، وإن لم ينالوا جميعه 0 فإن الآيات تضمنت ذمَّ من استبدل لهو الحديث بالقرآن ليُضِل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً000 (إلى أن قال) فمجموع هذا لايقع إلا من أعظم الناس كفراً، وإن وقع بعضه للمغنيين ومستمعيهم فله حصَّة ونصيب من هذا الذم 0
(1) فتاوي ابن تيمية: 11/ 577 0
(2) إغاثة اللهفان: 363 0
أما قول ابن الحزم أن مسألة الغناء ترجع إلى نية الإنسان مستدلاً بذلك بحديث " إنما الأعمال بالنيات 000" 0
فق رد عليه بأن سماع الغناء لا تتعلق بالنية لما تؤول إليه من مفاسدة عدة، فإن تحريم الغناء بالمعازف من تمام حكمة الشارع، وكما شرعه، فإنه حرم ما إشتمل على المفاسد، وما هو إلا وسيلة وذريعة إليه فاحتجاج ابن حزم بهذا بمنزلة من يرى النظر إلى الأجنبية واستماع صوتها بحسن النية جائز، أو الخلوة بالمرأة جائز وغيرها، إذ أن المحرمات في الشريعة قسمان:
ـ قسم حرم لما فيه من المفسدة، وقسم حرم لأنه ذريعة إلى ما اشتمل على المفسدة، وقد صدق ابن القيم (1) عندما قال: " أنك لاتجد أحداً اعتنى بالغناء وسماع آلاته، إلا وفيه ضلال عن طريق الهدى، علماً وعملاً، وفيه رغبةً عن إستماع القرآن إلى إستماع الغناء، بحيث إذا عرض له سماع الغناء وسماع القرآن عدل عن هذا إلى ذاك، وثقل عليه سماع القرأن 000"0
قال الإمام المنبجي في رسالته (2): " القاعدة الثالثة ": إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء، هل هو الإباحة أو التحريم فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة، فإنه يستحيل على الشارع، الأمر به أو إباحته، بل يقطع أن الشرع يحرمه لا سيما إذا كان طريقه مفضياً إلى مايبغضه الله ورسوله 000 " 0
(انتهى الرد على ابن حزم ومن معه 00 والله الموفق)
(1) إغاثة اللهفان: 363 0
رسالة في السماع والرقص: ص 40 0
• أقوال الأئمة الأربعة في تحريم الغناء بالمعازف (1):
• قول أبو حنيفة وأصحابه:
قال الألوسي في روح المعاني، بتحريم الغناء، عن أبي حنيفة قال: " أن الغناء حرام في جميع الأديان، وقال السرخسي في المبسوط، لاتقبل شهادة صاحب الغنى الذي يخادن عليه ويجمعهم (2) 0
وكذلك (2) مذهب أهل الكوفة: سفيان، وحمَّاد، وإبراهيم، والشعبي، وغيرهم لا إختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافاً أيضاً بين أهل البصرة في المنع منه 0
قال ابن القيم: مذهب أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب، وقوله فيه أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها، كالمزمار، والدُّفِّ، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية، يوجب الفسق، وترد به الشهادة، وأبلغ من ذلك أنهم قالوا: أن السماع فسق، والتلذذ به كفر " (3) 0
وقال أبو يوسف في دار يُسمع منها صوت المعازف والملاهي: " أُدْخُل عليهم بغير إذنهم، لأن النهي عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض " (4) 0
(1) حاشية الجمل: 5/ 380 ط 0 إحياء التراث، حاشية ابن عابدين: 5/ 253، 4/ 384، حاشية الدسوقي 4/ 166، والمغني: 9/ 175، عمدة القاري: 6/ 271 ط 0 المنيرية، بدائع الصنائع: 6/ 2972، وأسنى المطالب: 4/ 344، وإحياء علوم الدين: 2/ 282 0
(2) وجزم به مؤيد زادة في الفتاوي والزيلعي في تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق، وصاحب الفتاوي الهندية 0
(3) ابن القيم، رسالة في أحكام الغناء: ص 6 0
(4) نفس المرجع 0
• قول الإمام مالك وأصحابه:
علمنا من خلال ردنا على التدليس الذي يوهم بأن الإمام مالك يرى الجواز، وهذا غلط ووهم، ونقلنا بما فيه الكفاية عن رأى الإمام مالك في الغناء، وأنه من عمل الفساق، وقد ساله تلميذه ابن القاسم رحمه الله عن الغناء، فأجابه:" قال الله تعالى " فماذا بعد الحق إلا الضلال " أفحق هو؟ (1) 0
• قول الإمام الشافعي رحمه الله:
قال في كتاب أدب القضاء: " إن الغناء لهوُّ مكروه، يشبه الباطل والمحال، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته " 0
¥