تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[مجاوزة الحد عند الرد ..]

ـ[أبوعبد الله عادل المغربي]ــــــــ[07 - 02 - 10, 09:02 م]ـ

[مجاوزة الحد عند الرد ..]

الشيخ: أبو أويس الإدريسي.

"ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه

إلى الغضب والحدَّة فيقع في الهجران المحرم"

من الأصول المقررة عند أهل السنة: أن الرد على المخالف والمخطئ، وبيان الباطل والإنكار على من وقع فيه -لمن تأهل لذلك وأحسنه- من أهم المهمات وأعظم الواجبات، فـ" أرباب البدع والتصانيف المضلة ينبغي أن يشهر للناس فسادها وعيبها، وأنهم على غير الصواب، ليحذرها الناس الضعفاء فلا يقعوا فيها، وينفر عن تلك المفاسد ما أمكن، بشرط أن لا يتعدى فيها الصدق، ولا يفتري على أهلها الفواحش ما لم يفعلوه، بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة، فلا يقال على المبتدع أنه يشرب الخمر، ولا أنه يزني ولا غير ذلك مما ليس فيه " 1

وعليه فمما ينبغي الحذر منه في هذا المقام لعموم البلوى به بين الأنام: التعدي ومجاوزة الحد المشروع عند بيان الباطل والإنكار على أهله مصداقا لقوله تعالى: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"، ولذا فينبغي على المرء "ألا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم أو نهيهم أو هجرهم أو عقوبتهم ... فإن كثيرا من الآمرين الناهين قد يتعدى حدود الله إما بجهل وإما بظلم، وهذا باب يجب التثبت فيه وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين" 2 فإنك " إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين الأمة وعلمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل ... كما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته، ... وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) " 3.

وها هو الإمام الذهبي رحمه الله يبين أن بغض المبتدعة بلا ميزان شرعي أدى بالبعض إلى تجاوز طريقة السلف والعدول عن النهج السوي فقال في ترجمة يحيى بن عمار رحمه الله: "وكان متحرقا على المبتدعة والجهمية، بحيث يؤول به ذلك إلى تجاوز طريقة السلف وقد جعل الله لكل شيء قدرا" 4.

و في ترجمة ابن منده رحمه الله: "أنه نهى عن الدخول على بعض من وقع في مخالفة مذهب السلف في أمور تخص الاعتقاد، وقال (أي: ابن منده): "على الداخل عليهم أحرج أن يدخل مجلسنا أو يسمع منا، أو يروي عنا، فإن فعل فليس هو منا في حِلّ".

فعلق الذهبي على ذلك فقال: "قلت: ربما آل الأمر بالمعروف بصاحبه إلى الغضب والحدَّة، فيقع في الهجران المحرم، وربما أفضى ذلك إلى التكفير والسعي في الدم" 5.

فليس _إذن_ من العدل ولا من المروءة أن يستغل المتبع لطريقة السلف الصالح، ومنهج أهل السنة والحديث تبديع العلماء المعتد بهم 6 لشخص مثلا وتحذيرهم منه ومن كلامه، فيفرِّغ أحقاده الشخصية، ويلبسها ثوب الحرص على السنة، والنقمة على البدعة، مستجيبا لدعاوي الهوى التي تحركه فيتجاوز الحدود الشرعية وطريقة السلف المرعية، فـ" هيهات هيهات! إن في مجال الكلام في الرجال عقبات، مرتقيها على خطر، ومرتقيها هوى لا منجى له من الإثم ولا وزر، فلو حاسب نفسه الرامي أخاه: ما السبب الذي هاج ذلك؟ لتحقق أنه الهوى الذي صاحبه هالك" 7

فالمبتدع مثلا: "يُبيَّن أمره للناس ليتقوا ضلاله ويعلموا حاله ... وهذا كله ينبغي أن يكون على وجه النصح وابتغاء وجه الله تعالى، لا لهوى الشخص مع الإنسان، مثل أن تكون بينهما عداوة دنيوية 8، أو تحاسد، أو تباغض، أو تنازع على الرئاسة 9، فيتكلم بمساويه مظهرا للنصح، وقصده في الباطن الغض من الشخص واستيفاؤه منه، فهذا من عمل الشيطان" 10.

وعند تقرير شيخ الإسلام رحمه الله للقول بهجر المبتدع الداعي لبدعته والتغليظ في ذمه يبين أن "المقصود بذلك ردعه، وردع أمثاله، للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام" 11.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير