تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الخلق من دلائل سعة الصدور وسلامة القلوب 12 وهو " مشهد شريف جداً لمن عرفه وذاق حلاوته، وهو أن لا يشغل قلبه وسره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره، وشفاء نفسه، بل يفرغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوه منه أنفع له، وألذ وأطيب، وأعون على مصالحه، فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده، وخير له منه، فيكون بذلك مغبوناً، والرشيد لا يرضى بذلك، ويرى أنه من تصرفات السفيه، فأين سلامة القلب من امتلائه بالغل والوساوس، وإعمال الفكر في إدراك الانتقام؟ " 13.

إذا ما المرء أخطأه ثلاث****فبعه ولو بكف من رماد

سلامة صدره والصدق منه****وكتمان السرائر في الفؤاد

وبناء على ما مر قرر العلماء أن المرء " إذا أمكنه الجرح بالإشارة المفهمة أو بأدنى تصريح لا تجوز له الزيادة على ذلك، فالأمور المرخص فيها للحاجة لا يرتقى فيها إلا إلى ما يحصل الغرض " 14

قال اللكنوي رحمه الله:" لما كان الجرح أمرا صعبا، فإن فيه حق الله مع حق الآدمي، وإنما جوز للضرورة الشرعية 15، حكموا بأنه لا يجوز الجرح بما فوق الحاجة .. " 16.

ومن تم فما ينبغي لنا أن نطلق " الكلام على أحد بالجزاف، بل نعطي كل شيخ قسطه، وكل راو حظه، والله الموفق لذلك، المان بما يجب من القول والفعل معا " 17.

كما يجب أن يعلم في هذا السياق قبح التعميم بغير وجه حق ولا حد، عند النقد أو الرد فإنه من أكثر الأخطاء انتشارا بين الناس وله صور، منها:

- من يعمم الحكم على الأعمال بمجرد النظر إلى عمل واحد، وفي ذلك جور في الحكم!

- ومن الناس من يعمم الحكم على شخص بالنظر إلى مرحلة واحدة من مراحل حياته، ربما تغير عنها وفي ذلك تعد وظلم!

- ومن الناس من يعمم الحكم على طائفة من الناس من خلال النظر إلى حال شخص واحد أو أشخاص منها!.

وقد ذكر الغزالي رحمه الله قصة رمزية في خصوص هذا تستحق التأمل مفادها: أن ثلاثة من العميان أدخِلوا على الفيل، وكانوا لم يروه من قبل فوضع أحدهم يده على رجله، ووضع الآخر يده على ذيله، ووضع الثالث يده على بطنه، فلما خرجوا سألوهم: ما الفيل؟

فقال الأول: الفيل كسارية المسجد.

وقال الآخر: الفيل كخرطوم طويل به شعر كثيف.

وقال الثالث: الفيل كالجبل العظيم الأملس!!

فأدخلوا مرة أخرى على الفيل، وأمسكوا بجميع أجزائه، وعندها ضحكوا من تعريفاتهم السابقة للفيل واستطاعوا أن يصفوه على حقيقته 18.

فالزم يا رعاك الله جادة الوسطية والاعتدال وعليك بالاتزان حتى لا تخرج إلى طرفي الإفراط أو التفريط فيختل الميزان فإن "العدل واجب لكل أحد على كل أحد في جميع الأحوال، والظلم لا يباح منه شيء بحال " 19.

.................................................. .

1. الفروق 4/ 362 مع هوامشه.

2. الفتاوي لابن تيمية رحمه الله 14/ 481.

3. نفسه 14/ 483.

4. السير للذهبي رحمه الله 17/ 481.

5. نفسه 17/ 41.

6. قال الإمام الذهبي رحمه الله:" ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكي نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب والفحص عن هذا الشأن، وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ، مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى العلماء والإتقان، وإلا تفعل:

فدع عنك الكتابة لست منها****ولو سودت وجهك بالمداد

فإن آنست من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا، وإلا فلا تتعن، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأي أو مذهب، فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك " الرفع والتكميل في الجرح والتعديل 57.

7. من كلام الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله في الرد الوافر 13.

8. قال القرافي رحمه الله في معرض ذلك:" متى كان لأجل عداوة أو تفكه بالأعراض وجريا مع الهوى فذلك حرام " الفروق 4/ 361 مع هوامشه.

9. قال الفضيل بن عياض رحمه الله:" ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس وكره أن يذكر أحد بخير " جامع بيان العلم 1/ 143.

10. الفتاوي لابن تيمية رحمه الله 28/ 221.

11. منهاج السنة 5/ 239.

12. قال سفيان بن دينار رحمه الله: قلت لأبي بشير وكان من أصحاب علي رضي الله عنه: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: " كانوا يعملون يسيرا ويؤجرون كثيرا " فقال سفيان: ولم ذلك؟ قال:" لسلامة صدورهم " أخرجه هناد في الزهد 2/ 600.

13. مدارج السالكين 2/ 320.

14. قاله السخاوي رحمه الله في فتخ المغيث 3/ 272.

15. قال السخاوي رحمه الله:" لا يجوز التجريح بسببين إذا حصل بواحد، فقال العز بن عبد السلام في قواعده: إنه لا يجوز للشاهد أن يجرح بذنبين مهما أمكن الاكتفاء بأحدهما، فإن القدح إنما يجوز للضرورة، فليقدر بقدرها. ووافقه عليه القرافي وهو ظاهر " فتخ المغيث 3/ 325.

16. انظر الإعلان بالتوبيخ 68.

17. من قالات الإمام ابن حبان رحمه الله في كتابه الثقات 6/ 218، وقال كذلك رحمه الله:" لسنا ممن يوهم الرعاع ما لا يستحقه، ولا ممن يحيف بالقدح في إنسان، وإن كان لنا مخالفا، بل نعطي كل شيخ حظه مما كان فيه، ونقول في كل إنسان ما كان يستحقه من العدالة والجرح " الثقات 7/ 646.

18. الإحياء 4/ 7.

19. المظالم المشتركة لابن تيمية رحمه الله 26.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير