ثم قام الثالث يصف الأدباء، ويثني على الخطباء.
فقال: في بغداد أكبر ناد، للشعراء الأجواد، إذا شرب الشاعر
من ماء الفرات، أتى بالمعجزات، وخلب الألباب بالأبيات، سَمِّ
لي شاعراً ما دخل بغداد، اذكر لي أديباً ما تشرف بتلك البلاد:
بغداد يا فتنة الشرق التي خلبت
بسحرها العقل والأقلام والأدبا
ماذا أردد يا بغداد من حزني
إذا ذكرتك بعت الهم والنصبا
من بغداد أبو تمام، والبحتري الهمام، وترنح بها المتنبئ
بعض عام.
سجل بها ابن الرومي رواياته، وأبدع إلياذاته، وأروع
أبياته.
وفي بغداد أبو العتاهية، الشاعر الداهية، منذر القلوب
اللاهية، وصاحب الرسائل الباهية، الآمرة الناهية. وهي أرض
بشار، ناسج أجمل الأشعار.
من بغداد انطلقت في البحار والبراري، رائعة ابن الأنباري:
علو في الحياة وفي الممات. من بغداد استمع الدهر في عجبْ،
لدويّ: السيف أصدق أنباء من الكتبْ.
بغداد مهرجان أدبي كبير، لكل أديب نحرير، فيها شعر ونثر،
وحصباء ودر، وصديق وزنديق، وحر ورقيق، وموحد وملحد،
وحانوت ومسجد، وبارة ومعبد، ومقبرة ومشهد، جد وهزل، وحب
وغزل، كأن التاريخ كله في بغداد اجتمع، وكأن الدهر لصوتها
يستمع. وكأن ضوء الشمس من بغداد يرتفع.
مصيبة بغداد الحكام الأقزام، من عينة صدام، أبطال الشنق
والإعدام.
فقام الرابع فقال: كأن الأرض أخذت من بغداد جمالها، أفدي
بنفسي سهلها وجبالها، دجلة له خرير، والفرات له هدير،
والنسيم به له زئير، كأن الهواء سرق من المسك أريجه، وكأن
الماء أخذ من العاشق نشيجه. تغار من زهر بغداد الزهراء،
وتحمر خجلاً من حسن بغداد وجنتي الحمراء.
كأن السحاب في سماء بغداد مع الشفق خضاب، وكأن بريق الفجر
في مشارف بغداد ذهب مذاب. كأن وجه بغداد مشرق، قبل ميشيل
عفلق. فلما دخلها الرفاق، وحزب النفاق، كتب على بغداد
الشقاء والإخفاق.
لله يا بغداد أنت نشيدة
غنت بك الأعصار والأمصار
من لم ير ذاك الجمال فإنه
ضاعت عليه مع المدى الأشعار
أظن بغداد أصابها عين، أو دخلها لعين، ما لها قتلت
المبدعين، وطردت اللامعين.
ماذا أصابك يا بغداد بالعين
أليس كنت يقينا قرة العين
وأنا عاتب على بغداد، والعتاب لا يغير الوداد، لأنه جُلد بها
أحمد، وقُتل بها أحمد، وأُكرم بها أحمد. فجُلد بها أحمد بن
حنبل، الإمام المبجل، وقُتل بها أحمد بن نصر الخزاعي، الإمام
الواعي، وهو إلى الحق داعي، وإلى البر ساعي، وأُكرم بها
أحمد بن أبي دؤاد، داعية البدعة والعناد، والفتنة
والفساد.
لكن بغداد لها حسنات يذهبن السيئات. ونهر الفرات ودجلة
يطهران من الحدث، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
من مقامات الشيخ عائض القرني
ـ[معاذ القيسي]ــــــــ[28 - 02 - 06, 03:33 م]ـ
بارك الله فيكم يا اخواني الافاضل
لقد اثلجتم صدرونا نحن العراقيين بهذه الكلمات وبغداد تعاني اليوم من تسلط الشعوبيين والصفويين اذناب ابن العقلمي الرافضي الخائن
اللهم احفظ العراق وبغداد وسائر مدن المسلمين آمين يا رب العالمين
ـ[خالد هاشم]ــــــــ[28 - 02 - 06, 06:16 م]ـ
السلام عليكم
هل محمود حسين من طلبة العلم العراقيين ?
ـ[محمد سفر العتيبي]ــــــــ[28 - 02 - 06, 06:24 م]ـ
وقد كره البعض تسميتها ببغداد، لأن بغداد معناه بالفارسية عطية الصنم!
الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله, أظنني قرأته في مقدمة تاريخها للخطيب
ـ[العاصمي]ــــــــ[28 - 02 - 06, 08:12 م]ـ
بارك الله فيكم، ونصر إخواننا في العراق على الكفرة الفجرة.
وللجاحظ فيها كلام في غاية الحسن أذكر منه قوله بالمعنى إن لم أكن واهماً وأذكر أنني قرأته في تاريخ بغداد للخطيب أو في أحد كتب الجاحظ نفسه: قد رأيت المدن العظام المذكورة بالإتقان والإحكام بالشامات والروم وفي غيرها من البلدان، فلم أرد مدينة قط أرفع سمكاً، ولا أجود استدارة، ولا أجود فصيلاً من الزوراء، كأنما صبت في قالب، وكأنما أفرغت إفراغاً). أو كما قال.
بارك الله فيك أبا عبد الله، ما أحفظك ... ونقلُكَ كأنّه نقشٌ في حَجَر ...
قال الخطيبُ الحافظُ في ديباجة " تاريخ مدينة السلام ": " بلغني عن أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، قال: قد رأيت المدن العظام، والمذكورة بالإتقان والإحكام، بالشامات وبلاد الروم وفي غيرهما من البلدان؛ فلم أر مدينة قط أرفع سمكاً، ولا أجود استدارةً، ولا أنبل نبلاً، ولا أوسع أبواباً، ولا أجود فصيلاً من الزوراء، وهي مدينة أبي جعفر المنصور، كأنما صُبَّت في قالب، وكأنما أُفرغَت إفراغاً ".
وظاهرُ ما نُقل عن الجاحظ يُفيد دُخُولَهُ إلى بلاد الشام، لكنّني لم أَرَ ما يدلّ عليه، بل لقد رأيت الحافظ عليَّ بنَ الحسن بن هبة الله الدمشقي نقل في ديباجة " تاريخ مدينة دمشق " ما تقدّم عن الخطيب عن الجاحظ، ولم أرَهُ تعقّبه، ولا رأيتُهُ ترجم الجاحظَ في تاريخه الكبير ...
فهل من توجيه لما تقدّم؟
¥