وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في شرح الحديث الأول من شرح العُمدة.
ثم فسّر المصنف رحمه الله الإخلاص بلازِمِه، فقال:
وأن يكون عِباداته - الظاهرة والباطنة - كلها لله وحده
وان لا يشرك به شيئا في جميع أمور الدين
وهذا أصل دين جميع الرسل وأتباعهم
كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء: 25].
الشرح:
وإخلاص العمل أمان من سوء الخاتمة، فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه أبدا، فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه. قال: فجُرح الرجل جرحا شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أنك رسول الله. قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك فقلت: أنا لكم به، فخرجتُ في طلبه حتى جرح جرحا شديداً، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه وضوء وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه، فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة.
قال ابن القيم: لو نفع العلم بلا عمل لما ذمّ الله سبحانه أحبار أهل الكتاب، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين. اهـ.
فالمنافقون يقولون: لا إله إلا الله، ولكنها لا تنفعهم لأنها غير خالصة لله عز وجل.
وإخلاص العمل ينفع أحوج ما يكون إليه صاحبه، قال صلى الله عليه وسلم: من استطاع منكم أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل. رواه الحافظ الضياء في المختارة، وهو في صحيح الجامع.
أي أن يكون له عمل خالص بينه وبين الله عز وجل.
قال الشيخ رحمه الله:
وشهادة أن محمداً رسول الله
الشرح:
ثم ذكر المؤلف رحمه الله معنى الشق الثاني من شهادة التوحيد، وهو شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
قال الشيخ رحمه الله:
أن يعتقد العبد: أن الله أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الثقلين - الإنس والجن - بشيرا ونذيرا يدعوهم إلى توحيد الله وطاعته بتصديق خبره وامتثال أمره.
الشرح:
هذا من معاني شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم
فيشهد العبد شهادة حق، ويعلم علم يقين أن الله عز وجل أرسل محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام واصطفاه بالنبوّة وخصّه بالرسالة العامة إلى جميع الثقلين - إنسهم وجنّهم –، ولذا فإنهم يوبّخون يوم القيامة، كما في قوله سبحانه وتعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي من جملتكم والرسل من الإنس فقط، وليس من الجن رسل، كما قد نصّ على ذلك مجاهد وبن جريج وغير واحد من الأئمة من السلف والخلف، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الرسل من بني آدم، ومن الجن نذر. اهـ.
وأن يعتقد العبد أن الله إلى جميع البشر – عربهم وعجمهم، أحمرهم وأسودهم – إلى قيام الساعة.
ويعتقد أن الله أرسله بشيراً لمن آمن به، ونذيراً لمن عصاه وخالف أمره.
¥