جرياً على الأصل، وقد تقدّم أن الأصل في الأشياء الطهارة إلا ما دلّ الدليل على نجاسته.
والأصل فيها الإباحة إلا ما دلّ الدليل على تحريمه.
وقد ذكر المؤلف رحمه الله ما أُجمِع عليه، وهو إناء الذهب والفضة.
فإنه قال:
وَجَمِيعُ اَلأَوَانِي مُبَاحَةٌ، إِلاّ آنِيَةَ اَلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
الشرح:
تحريم استعمال آنية الذهب والفضة محلّ إجماع.
قال ابن قدامة رحمه الله: ولا خلاف بين أصحابنا في أن استعمال آنية الذهب والفضة حرام، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولا أعلم فيه خلافا. اهـ.
وقال النووي رحمه الله: انعقد الإجماع على تحريم الأكل والشرب فيهما. اهـ.
واختُلِف في الاتِّخاذ والاقتناء.
واختُلف أيضا فيما له قشر أو ما ليس له قشر.
فالمطليّ بالذهب على نوعين:
نوع يُمكن نزع هذا الطلاء بحيث يَكون كالقشر.
ونوع لا يُمكن ذلك ويكون الذهب فيه يسيرا، وهذا اجتنابه أولى.
إلا أنه لا يُنكر على من استعمل قلما أو ساعة مطلية بماء الذهب.
قال الصنعاني رحمه الله: واختلفوا في الإناء المطلي بهما، هل يلحق بهما في التحريم أم لا؟ فقيل: إن كان يمكن فصلهما حرم إجماعا؛ لأنه مستعمل للذهب والفضة، وإن كان لا يمكن فصلهما لا يحرم. اهـ.
واستعمال الذهب والفضة على أقسام:
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في (القواعد والفروق): ومن الفروق الصحيحة: استعمال الذهب والفضة، وله ثلاثة استعمالات:
أحدها: استعماله في الأواني ونحوها، فهذا لا يحل للذكور ولا للإناث.
والثاني: استعماله في اللباس، فهذا يحل للنساء دون الرجال.
والثالث: استعماله في لباس الحرب، وآلات الحرب، فهذا يجوز حتى للذكور.
الحكمة من التحريم:
قال ابن قدامة رحمه الله:
والعلة في تحريم الشرب فيها ما يتضمنه ذلك من الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء
وهو موجود في الطهارة منها واستعمالها كيفما كان بل إذا حرم في غير العبادة ففيها أولى. اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله:
قيل: علة التحريم تضييق النقود، فإنها إذا اتخذت أواني فاتت الحكمة التي وُضعت لأجلها من قيام مصالح بنى آدم، وقيل: العلة الفخر والخيلاء، وقيل: العلة كسر قلوب الفقراء والمساكين إذا رأوها وعاينوها، وهذه العلل فيها ما فيها، فإن التعليل بتضييق النقود يمنع من التحلّي بها وجعلها سبائك ونحوها مما ليس بآنية ولا نقد، والفخر والخيلاء حرام بأي شيء كان، وكسر قلوب المساكين لا ضابط له، فإن قلوبهم تنكسر بالدور الواسعة والحدائق المعجبة والمراكب الفارهة والملابس الفاخرة والأطعمة اللذيذة وغير ذلك من المباحات، وكل هذه علل منتقضة إذ توجد العلة ويتخلف معلولها، فالصواب أن العلة - والله أعلم - ما يكسب استعمالها القلب من الهيئة والحالة المنافية للعبودية منافاة ظاهرة، ولهذا علل النبي صلى الله عليه وسلم بأنها للكفار في الدنيا، إذ ليس لهم نصيب من العبودية التي ينالون بها في الآخرة نعيمها، فلا يصلح استعمالها لعبيد الله في الدنيا، وإنما يستعملها من خرج عن عبوديته ورضي بالدنيا وعاجلها من الآخرة. اهـ.
سؤال: لو توضأ رجل أو امرأة في إناء ذهب أو فضة ثم صلّى فهل تصحّ صلاته؟
الصحيح أن صلاته صحيحة وهي مبنيّة على وضوء صحيح، لأنه توضأ وضوءاً صحيحا كما أُمِر
والآنية طاهرة والماء طاهر فالوضوء صحيح، والصلاة صحيحة.
قال المؤلف رحمه الله:
وَمَا فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا , إِلاّ اَلْيَسِيرَ مِنْ اَلْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ
الشرح:
يعني ما فيه شيء من الذهب والفضة إلا اليسير فهو مُستثنى
روى البخاري عن عاصم عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر، فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. قال عاصم: رأيت القدح وشربت فيه.
ويجوز للرجال لبس خاتم الفضة
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب أو فضة وجعل فصّه مما يلي باطن كفه، ونقش فيه (محمد رسول الله) فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به، وقال: لا ألبسه أبداً، ثم اتخذ خاتماً من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة. رواه البخاري ومسلم.
ويجوز للرجل أن يَتَّخِذ الأسنان من الذهب اليسير أو من الفضة
¥