قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن أبوال الإبل: أكثر الناس على طهارتها، وعامة التابعين عليه، بل قد قال أبو طالب وغيره: إن السلف ما كانوا يُنجسونها ولا يتّقونها،وقال أبو بكر بن المنذر: وعليه اعتماد أكثر المتأخرين في نقل الإجماع والخلاف، وقد ذَكَرَ طهارة الأبوال عن عامة السلف. اهـ.
وقال أيضا: ولست أعرف عن أحدٍ من الصحابة القول بنجاستها بل القول بطهارتها إلا ما ذُكر عن ابن عمر إن كان أراد النجاسة. اهـ.
وأطال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تقرير طهارة أبوال الإبل.
وقال ابن دقيق العيد: الحديث السابع عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن، واستُدل بالحديث على طهارة بول ما يؤكل لحمه من حيث أنه لا يؤمن بول البعير في أثناء الطواف في المسجد، ولو كان نجسا لم يُعرِّض النبي صلى الله عليه وسلم المسجد للنجاسة، وقد مُنع لتعظيم المساجد ما هو أخف من هذا. اهـ.
وقال الشوكاني في بول ما يؤكل لحمه: أما في الإبل فبالنص وأما في غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس. قال: ابن المنذر: ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يُصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، ويؤيد ذلك تقرير أهل العلم لمن يبيع أبعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم، ويؤيده أيضا أن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة. اهـ.
وأما أبوال الدواب التي تعمّ البلوى بها، كالحمير والبغال، فقد قال ابن القيم رحمه الله:
يُعفي عن يسير أرواث البغال والحمير والسباع في إحدى الروايتين عن أحمد، اختارها شيخنا لمشقة الاحتراز. قال الوليد بن مسلم: قلت للأوزاعي: فأبوال الدواب مما لا يؤكل لحمه كالبغل والحمار والفرس؟ فقال: قد كانوا يُبتلون بذلك في مغازيهم فلا يغسلونه من جسد ولا ثوب ... وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى جواز أكل الحنطة التي أصابها بول الحمير عند الدّياس من غير غسل. قال: لأن السلف لم يحترِزوا من ذلك. اهـ.
وقال شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
الحمير فيها خلاف هل هي طاهرة أو نجسة أو مشكوك فيها؟
والصحيح الذي لا ريب فيه أن شعرها طاهر إذ قد بيّنا أن شعر الكلب طاهر فشعر الحمار أولى.
وإنما الشبهة في ريق الحمار هل يلحق بريق الكلب أو بريق الخيل؟
وأما مقاودها وبراذعها فمحكوم بطهارتها، وغاية ما فيها أنه قد يصيبها بول الدواب وروثها.
وبول البغل والحمار فيه نزاع بين العلماء:
منهم من يقول: هو طاهر.
ومنهم: من ينجسه، وهم الجمهور، وهو مذهب الأئمة الأربعة، لكن هل يعفى عن يسيره؟
على قولين، هما روايتان عن أحمد، فإذا عُفيَ عن يسير بوله وروثه كان ما يصيب المقاود وغيرها معفوا عنه وهذا مع تيقن النجاسة، وأما مع الشك فالأصل في ذلك الطهارة، والاحتياط في ذلك وسواس، فإن الرجل إذا أصابه ما يجوز أن يكون طاهرا ويجوز أن يكون نجسا لم يستحب له التجنب على الصحيح ولا الاحتياط، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ هو وصاحب له بميزاب فَقَطَرَ على صاحبه منه ماء، فقال صاحبه: يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبره، فإن هذا ليس عليه.
وعلى القول بالعفو فإذا فُرِش في الخانات وغيرها على روث الحمير ونحوها فإنه يعفى عن يسير ذلك ... وغَسْل المقاود بدعة لم يُنقل ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم، بل كانوا يركبونها وامتن الله عليهم بذلك في قوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا) وكان للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة يركبها، وروي عنه أنه ركب الحمار، وما نُقِلَ أنه أمَرَ خدام الدواب أن يحترزوا من ذلك. اهـ.
والمقصود بـ " المَقَاوِد " ما تُقاد به الدابة من لجام وحبل ونحوه.
شرح منهج السالكين – 9
قال الشيخ رحمه الله:
ومنيُّ الآدمي طاهر. كان النبي صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ رَطْبَهُ , وَيَفْرُكُ يَابِسَهُ.
الشرح:
هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم.
والصحيح أن المني طاهر، للديل والتعليل:
أما التعليل فـ
الأول: أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يثبت الدليل بنجاستها.
الثاني: أن ما تولّد من طاهر فهو طاهر، إلا ما قام الدليل على نجاسته.
¥