وسيأتي تفصيل أكثر في مواضع هذه الأركان من هذا الكتاب.
قال الشيخ رحمه الله:
متفق عليه.
الشرح:
هذه رواية مسلم
وأما رواية البخاري فهي بلفظ: بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان.
وهي كذلك في رواية عند مسلم أيضا، أي بتأخير ذكر الصيام.
وقوله: متفق عليه
أي اتفق على روايته الشيخان، يعني البخاري ومسلم.
فإذا قيل: متفق عليه، فيُقصد أن البخاري ومسلم أخرجاه عن نفس الصحابي، ولو بزيادة أو نقص أو تقديم وتأخير أو اتفقا على إخراجه بالمعنى عن نفس الصحابي.
أما إذا اختلف الصحابي، كأن يرويه البخاري عن ابن عمر، ويرويه مسلم عن أبي هريرة، فلا يُقال حينئذ:
(متفق عليه)
وإذا قيل أيضا: رواه الشيخان، أو رواه البخاري ومسلم، فكذلك عن نفس الصحابي.
والمتفق عليه أعلى درجات الصحة في الحديث النبوي.
الدرس الثالث من شرح منهج السالكين
ثم أخذ المصنف رحمه الله بالتفصيل لما تقدّم، فقال:
فشهادة أن لا إله إلا الله: عِلم العبد واعتقاده والتزامه: أنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا الله وحده لا شريك له
الشرح:
لما ذكر المؤلف رحمه الله الحديث المتفق عليه الذي بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم مباني الإسلام العِظام، ذكر معنى لا إله إلا الله.
بأنه عِلمُ العبد اليقني واعتقاده الجازم الذي يعقد قلبه عليه ويلتزمه، بأنه لا معبود بحق إلا الله
وبأنه لا يستحق العبادة إلا الله
ولا يستحق التأليه والتعظيم إلا الله تبارك وتعالى
قال سبحانه وتعالى: (أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء) أي أنهم لا يتّبعون شركاء على الحقيقة
(إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)
فالخالق المالك المدبّر هو الذي يستحق العبادة
فمن صرف شيئا من العبادة لغير الله فقد ثلم هذه الشهادة، شهادة التوحيد.
ومن أتى بناقض من نواقض لا إله إلا الله فقد أبطل شهادة التوحيد، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم.
فلا ينتفع العبد بهذه الشهادة ولا ينجو إلا بتحقيقها، فليست مُجرّد كلمة تُقال باللسان.
ثم قال المؤلف رحمه الله:
قال الشيخ رحمه الله:
فيوجب ذلك على العبد:
الشرح:
أي ذلك الاعتقاد الجازم يُوجب على العبد ويُحتّم عليه
قال الشيخ رحمه الله:
إخلاص جميع الدين لله تعالى
الشرح:
والإخلاص أن لا يقصد العبد بعمله إلا الله عز وجل
قال الجرجاني في التعريفات:
الإخلاص في اللغة: ترك الرياء في الطاعات.
وفي الاصطلاح: تخليص القلب عن شائبة الشّوب المكدر لصفائه، وتحقيقه أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلُص عنه يُسمى خالصا، ويسمى الفعل المخلص إخلاصا. قال الله تعالى: (مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا) [النحل: 66] فإنما خلوص اللبن ألاّ يكون فيه شوب من الفرث والدم.
وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص الخلاص من هذين وألاّ تطلب لعملك شاهداً غير الله. انتهى كلامه رحمه الله.
والإخلاص شرط في قبول العمل الصالح:
قال اللّهُ تبارك وتعالى: أَنَا أَغْنَىَ الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْكِ. مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ. رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتُغي به وجهه. رواه الإمام أحمد وغيره.
سُئل الفضيل بن عياض عن قوله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) فقال: هو أخلص العمل وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا وصوابا، فالخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. اهـ.
وقد حرص السلف على إخفاء العمل الصالح إلا أن يكون في إظهاره مصلحة.
وقد تقدمت الإشارة إلى هذا المعنى في شرح الحديث الأول من شرح العُمدة.
ثم فسّر المصنف رحمه الله الإخلاص بلازِمِه، فقال:
وأن يكون عِباداته - الظاهرة والباطنة - كلها لله وحده
¥