قال ابن عبدالبر: " لاخلاف في إباحة الحُداء واستماعه، ومن أوهمكلامه نقل خلاف فيه، فهو شاذ أو مؤول على حاله يُخشى منها شيء غير لائق " (2) 0
ثانيا: النصب، جاء في اللسان (3): " النصب ضرب من أغاني الإعراب، ويسمى أيضا غناء الركبان، وهو غناء لهم يشبه الحداء، إلا أنه أرق منه0
وعرفه بعض الفقهاء بأنه ضربُ من النشيد بصوت فيه تمطيط " (4) 0
وهذا النوع يشبه الحداء، إلا أنه أرق منه، فيأخذ نفس الحكم، وأصل ذلك ما روي عن أنس ? أنه قال " خرج رسول الله ? إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون لهم ذلك، فلما رأى مابهم من النضب والجوع قال:
اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
(1) الصحاح: 6/ 2309 ـ 2310 بإختصار 0
(2) كف الرعاع: ص 60 0
(3) العرب: 7/ 4437 0
(4) فتح الباري: 10/ 559 0
فأجابوه مرتجزين:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد مابقينا أحدا (1)
وقد ذكر ابن الجوزي بعض أنواع الغناء المباح 0
قال: " 000 منها غناء الحجيج في الطرقات، فإنَّ أقواماً من الأعاجم يقدمون للحج فينشدون في الطرقات أشعاراً يصفون فيها الكعبة وزمزم والمقام، وفي معنى هؤلاء: الغزاة 0 فإنهم ينشدون أشعاراً يحرِّضون بها على الغزو، وفي معنى هذا إنشاء المبارزين للقتال للأشعار تفاخراً عند النزال 000 " 0
ومن ذلك أشعار يُنشدها المتزهدون بتطريب وتلحين تزعج القلوب إلى ذكر الآخرة ويسمونها (الزهديات) 0
كقول بعضهم:
ياغاديا في غفلة دائما إلى متى تستحسن القبائحا
وكم وإلى كم لاتخاف موقفا يستنطق الله به الجوارحا
ثم روى ابن الجوزي بسنده عن أبي حامد الخلقاني أنه قال:
إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني
وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني؟!
فقال: أعد علىَّ، فأعدت عليه، فقام ودخل بيته، وردَّ الباب، فسمعت نحيبه من داخلالبيت وهو يقول: إذا ماقال لي ربي 000 (البيت)
(1) رواه البخاري: 3/ 1043، ومسلم: 3/ 1432 0
(2) تلبس إبليس، ابن الجوزي: ص 237 0
• ضابط الغناء المحرم:
قال الحافظ عبدالرحمن بن رجب الحنبلي (1):
إن يقع على وجه اللعب واللهو فأكثر العلماء على تحريم ذلك (2)، أعني سماع وسماعآلات الملاهي كلها 000 (ثم قال) والمراد بالغناء المحرم: ماكان من الشعر الرقيق الذي فيه: تشبيب بالنساء ونحوه، مما توصف فيه محاسن في تهيج الطباع بسماع وصف محاسنه، فهذا هو الغناء عنه، وبذلك فسره الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة (ثم قال) فهذا الشعر إذا لُحِّنْ، وأخرج بتلحينه على وجه: يُزعج القلوب ويخرجها عن الاعتدال ويحرك الهوى الكامن المحبول في طباع البشر 0 فهو الغناء المنهي عنه، فإن أنشد هذا الشعر على غير وجه التلحين، فإن كان محركاً للهوى بنفسه فهو محرم أيضا، لتحريكه الهوى، وإن لم يسمَّ غناء فأما مالم يكن فيه شيء من ذلك فإنه ليس بمحرم، وإن سمى غناء 000 " 0
وقال الإمام الشاطبي في الاعتصام بعد أن أشار إلى حديث أنجشة: " وهذا حسن، لكن العرب لم يكن لها من تحسين النعمات مايجري مجرى ما الناس عليه اليوم 0 بل كانوا ينشدون الشعر مطلقاً، ومن غير أن يتعلموا هذه الترجيحات التي حدثت بعدهم، بل كانوا يرققون الصوت ويمَطِّطُونَهُ على وجه يليق بأمِيَّة العرب الذين لم يعرفوا صنائع الموسيقى، فلم يكن فيه إلذاذ ولا إطراب يلهي، وإنما كان لهم شيء من النشاط، كما كان عبدالله بن رواحة يحدو بين
(1) نزهة للإسماع في مسألة السماع 0
(2) بل نقل الإجماع أكثر من واحد أهل العلم كما أسلفنا 0
يدي رسول الله ?، كما كان الأنصار يقولون عند حفر الخندق:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ماحيينا أبدا000
• جكم النشيد الإسلامي:
من خلال هذا البحث وما تضمنه من أقوال لأهل العلم فيما يجوز التغني به من الشعر وما لايجوز، والضابط في ذلك مستصحباً ما استطعنا من نقولات تقربنا إلى فهم ماهية الغناء، يمكننا أن نستخلص مايلي في حكم الأناشيد الإسلامية:
¥