تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تبيَّن لك الآن أنَّه لا أحد يعترف حقيقةً بهويَّة الآخر وخصوصيَّته، وأنَّ الإسلام لم ينفرد بهذا دون غيره من الدِّيانات والمذاهب الفكريَّة، فتعالَ بنا الآن لنسمع وجْهة نظر الإسْلام في عدم اعتِرافه بالآخر، وإبطاله ما سواه من عقائد وأيديولوجيَّات.

لا بدَّ لنا أن نعلم أنَّ الإسلام ليس فكرةً أرضيَّة ولا نظريَّة بشريَّة قابلة للخطأ والصَّواب.

إنَّ الإسلام لَم يخترعْه محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولَم يؤلِّفْه المسلِمون من عند أنفُسِهم، بل قد شرعه الإله الواحد الَّذي ليس ثمَّ إله غيرُه في هذا الكون، والَّذي لا يحتمل ما يَجيء منْه إلا الصَّواب والحقّ والصِّدْق والعدل.

إنَّ قبول الإسلام بغيره من الدّيانات والاعتراف بها وتصحيحه لها، معناه التَّشْكيك في صحَّته هو، بل والقطع ببطلانه؛ فإذا كان - وهو دين التَّوحيد - يعترف بالشِّرْك وتعدُّد الآلهة، فما توحيدُه إلاَّ هراء، وإذا كان - وهو دينُ الإقرار بالخالِق الَّذي أوجد الكون بِمحض إرادته وحكمتِه - يعترف بالإلْحاد الَّذي يردُّ وجود الكون إلى محْض الصدفة البحْتة، وينكر وجود شيء اسمه الله الخالق، فما دعوته إلاَّ هذَيان.

إنَّ النَّقيضَين لا يجتمعان أبدًا، واللَّيل والنَّهار لا يلتقِيان، فلِماذا يُراد من الإسلام أن يفعل المستحيل ويقول باللامعقول؟! هل يَخدع الإسْلام أتباعَه أم يَخدع أعداءه؟!

أيقول الإسْلام لأتباعِه: إنَّ الله ربّكم واحد أحَد، لَم يلِد ولم يولد، ثمَّ يقول: إنَّ مَن قال: إنَّ الله ثالث ثلاثة، وأنَّه تزوَّج وولدَ وترك ابنَه يُصْلَب - هو على صوابٍ كذلك، وكلا القولَين لا بأس بهما وكلٌّ مصيره إلى جنَّة الخلد؟!

أيقول لأتباعِه: إنَّ محمَّدًا رسولُكم الَّذي أنزل عليه الوحْي بالقرآن، فاتبعوا ما جاءكم به من عند الله ربِّكم، ثمَّ يقول: إنَّ مَن قال بأنَّه كذَّاب مفترٍ اخترَعَ القرآنَ ليجْمَع النَّاسَ حوله؛ من أجْل مصلحتِه الشَّخصيَّة أو القوميَّة، هو على صواب أيضًا ومصيرُه إلى جنَّة الخلد؟!

مَن مِن العُقلاء يقول بهذا التناقُض ويقبل بهذا الهزْء؟!

فلا جَرَم كان من المتحتّم على الإسْلام أن يقول بِما قال، وأن يدعوَ إلى ما دعا إليه.

ومع هذا، فالرسالة الإسلاميَّة تمثِّل غاية التَّعدُّديَّة والاعتِراف بالآخر، من جهات مغايِرة وزوايا أخرى؛ فهي رسالة عالميَّة لا تتوقَّف عند حدود أرضيَّة من لون أو جنس أو عرق أو وطن أو لسان، فبوسع جَميع أهل الأرض: أحْمرهم وأسودِهم، وعربهم وعجمهم، وغنيهم وفقيرهم، ونصرانيّهم ويهوديّهم، وبوذيّهم وعلمانيّهم، أن يدخُلوا في هذا الدّين العظيم، ويتمتَّعوا بكلِّ ما كفَلَه لأتْباعه من حقوق دنيويَّة وسعادة أخرويَّة.

إنَّ الإسلام لا يضَعُ حجابًا ولا حاجزًا بين دخول (الآخر) تحت لوائِه والعيش في أكنافه، إنَّه لا يطلب من (الآخر) مواصفات في اللَّون أو العرق أو الجنْس أو الموقع الجغرافي، إنَّه لا يطلب من الإنسان سوى أن يكونَ إنسانًا يَحترم ما ركّب فيه من إنسانيَّة وعقلانيَّة، فيقرّ بالرَّبّ الخالق ويَمتثِل للشَّرع الكامل المنزَّل، الَّذي يضمن له سعادة دنيويَّة وأخرى أبديَّة.

والإسلام أيضًا يعطي صورةً باهِرة للتعدُّد والاعتِراف بالآخر عندما يقول للإنسانيَّة كلها: إنَّه - أي الإسلام - هو دينُها الموروث في تاريخها بأكمله، إنَّه وُجِد منذ أنزل الإنسان إلى هذه الأرض، إنَّه يقول: ليس محمَّد هو الرَّسول الأوْحد الَّذي جاء به، بل قد سبقَه بالإسلام عشرات الرُّسل ومئات الأنبياء، جاؤُوا جميعًا بلبِّ الإسلام وهو التَّوحيد، وكلّ ما هناك أنَّ الشَّريعة التي جاء بها محمَّد مهيْمِنة على الشَّرائع التي قبلها؛ لأنَّه كُتِب لها أن تكون آخِر كلمة من الله لعبادِه، فهي كفيلة بتنظيم أمور الإنسان في كلِّ الأزمِنة والأمكنة بيْنما ما قبلها من الشَّرائع كانت مؤقَّتة ومرحليَّة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير