تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ فِى رِحَالِكُمْ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَءاً مِنَ الأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْباً وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ. قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْماً وَحَظًّا. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَتَفَرَّقُوا ". أخرجه أحمد في المسند بإسناد صحيح.
كان يحبهم ويحبونه حباً ما بعده حب، ومع كلِّ هذا الإجلالِ الّذي لم يبلُغْه في الكمالِ أحدٌ من الأمّة غيرُ الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فلم يؤثَرْ أبدًا عن أحدٍ منهم أنه أعطاه شيئًا من خصائص الألوهيّة، فلم يدعوه من دون الله، ولم يستغِيثوا به حيًّا ولا ميّتًا، ولم يطلبوا منه المدد والغوث، وحتى لم يحلفوا به من دون الله، ولم ينسِبوا له علمَ الغيب ولا شيئًا من خصائصِ الرّبِّ سبحانه. ولم يرفعوه إلى مرتبة الألوهية، ولم يتقدموا بين يديه بأمر لم يشرعه عن الله؛ لأنهم يعلمون ماله من حق، وما لله من حق: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً، قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً) [الجن 21، 22]، (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف 188].
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول على المنبر: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ ابْنُ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُه " رواه البخاري في صحيحه.
فهل نحن أفضلُ من صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأعظمُ محبةً منهم لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأعظم شكراً لله على إيجاده وبعثه، لا والله.
عن أَبِي سَعِيدٍ الخدري ـ رضي الله عنه ـ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لاَ تَسُبُّوا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِي، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ». رواه مسلم في صحيحه.
قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ في نونيته:
الرب رب والرسولفعبده ... حقاً وليس لنا إله ثان
فلذاك لم نعبدهمثل عبادة الر ... حمن فعل المشرك النصراني
كلا ولم نغل الغلوكما نهى ... عنه الرسول مخافة الكفران
لله حق لا يكونلغيره ... ولعبده حق هما حقان
لا تجعلوا الحقينحقاً واحداً ... من غير تمييز ولا فرقان
فالحج للرحمن دونرسوله ... وكذا الصلاة وذبح ذي القربان
وكذا السجودونذرنا ويميننا ... وكذا متاب العبد من عصيان
وكذا التوكلوالإنابة والتقى ... وكذا الرجاء وخشية الرحمن
وكذا العبادةواستعانتنا به ... إياك نعبد ذاك توحيدان
وعليهما قامالوجود بأسره ... دنيا وأخرى حبذا الركبان
لكنما التعزيروالتوقير ... حق للرسول بمقتضى القرآن
والحب والإيمانوالتصديق لا ... يختص بل حقان مشتركان
هذه تفاصيل الحقوقثلاثة ... لا تجهلوها يا أولي العدوان
وإنَّك والله لتأسَفُ ممّن يتاجِرُ بمحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليبتَدِعَ في دين الله باسم محبّةِ رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ، فَيَصْدَعُ السّنَن، وينشُرُ البدَعَ، ويلبِّس على العَوامِّ والبسطاء من الناس باسمِ المحبّة، كمن يتاجِرُ بمحبّةِ آلِ بيت النبيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ، كأنّ الدِّينَ انحصر في هذهِ المحبّةِ ـ المزعومة ـ، فيقَعُ الشّركُ، تضيعُ الشرائع، لا يبقى من الدّين إلا هذه المحبة إن صحت، ولو كانت حقًّا وصدقًا لأثمرتِ الطاعةَ والاتِّباع، نعوذ بالله من الضلال والخذلان.
¥