ومن هذه الأمور المحدثة، مولدُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي يفعله بعض المسلمين في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، أو من أول شهر ربيع الأول، لم يثبت فيه دليل من كتاب الله وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مشروعيته، وإحياءِ ليلته ويومهِ، لقد ـ عاش ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المدينة سنوات لم يقل بإحياء مولده لا بقوله ولا بفعله، بل جاءت السُّنة بخلاف ذلك حينما كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يصوم الاثنين دون تخصيص ليوم مولده ـ عليه الصلاة والسلام ـ ولما سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ؟ قَالَ: " ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ " رواه مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ.
فصام لله شكراً يوم مولده ـ عليه الصلاة والسلام ـ هذا هو الاحتفاء وهذا هو الشكر للنعمة وهذا هو المفيد حينما يؤدي الإنسانُ العبادةَ المشروعةَ ويحس بأنه يقومُ بشكر نعمة الله ـ عز وجل ـ عليه.
هذا المولد لم يفعل لا في زمان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا في زمن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ولا في زمن عمر ـ رضي الله عنه ـ، ولا في زمن عثمان ـ رضي الله عنه ـ ولا في زمن علي ـ رضي الله عنه ـ ولا في المائة الأولى، ولا في القرون المفضلة كلها.
فهل هذه الأمة كلها غافلة عنتعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومحبته، وشكر الله له على نعمة إيجاد هذا النبي وبعثته؟!
هل هذه الأمة كلها ما علمت أن هناك حق للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفضل لهذا اليوم؟ وعلى رأسهم أبو بكر ٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، الخلفاءُ الراشدين، والأئمة المهدين، الذين أمرنا باتباعهم والعض على سنتهم ومنهجهم بالنواجذ وهي وصية رسول الله لمن بعده: عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ مَوْعِظَةً، وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا. قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ. وَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ». رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
كلُّ هؤلاءِ العلماءِ والأئمةِ من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كلُّهم لا يعلمون فضيلةَ المولد ولا شكر الله على ذلك، ولا يحبون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المحبةَ الصادقة، حتى تأتيَ القرونُ المتأخرة بعد الخمسمائة ويأتي من يحيي ليلةَ المولد ويقول: إن هذا دين وشرع، ومن لم يفعل ذلك فإنه يكره الرسولُ ولا يحبه، وأنه لا يقدر نعمة وشكره بإيجاد هذا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعثه للأمة، وأنه وهابي أو غيرُ ذلك، هل هذا يعقل في دين الله؟!
هل يمكن لمسلم أن يقول: إن هذا المولدَ مشروع، وينسبه إلى دين الله ـ عز وجل ـ وكلُّ هذه القرونِ المفضلةِ، وعلى رأسهم أفضلُ صحابةِ رسول الله، والأئمةُ والخلفاءُ الأمناء على أمته من بعده لم يقع هذا المولدُ فيهم، ولم يقولوا به ولم يفعلوه؟!
الأئمةُ وعلماءُ الأمة الذين هم واللهِ القدوةُ لنا بعد صحابة رسول الله، أتبع للكتاب والسنة من غيرهم، كالإمام أبي حنيفة النعمان ـ رضي الله عنه ـ والإمامِ مالكِ بن أنس، إمامِ دار الهجرة ـ رحمه الله ـ، والإمام الشافعي المطلبي، إمام العلماء ـ رحمه الله ـ، والإمامِ أحمدَ بنِ حنبل إمام أهل السنة ـ رحمه الله ـ كلهم لم يؤثر عن واحد منهم قول صحيح في إقامة هذه المولد وإحيائه، وشكر الله على ذلك، فهل غيرهم أعلم بدين الله منهم؟!! لا والله.
فليس المولدُ من محبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا من شكر الله على ذلك؛ لأن شكر الله، ومحبته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتعظيمَه وتوقيرَه لا يكون بمخالفة هديه، والابتداعِ في دينه، وإنما تكون بلزوم طاعته واتباع أمره وسنته (فَمَنِ اقْتَدَى بِي فَهُوَ مِنِّي، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي).
عَنْ عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
ولاشكَّ أن من أعظمِ طرائقَ نُصرةِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلمنُصرةَ سُنَّته في زمنٍ فشى فيه جهلٌ بالسنَّة، ووقوعٌ في البدعة؛ ولا تنتشرُ بدعةٌ يَسكتُ عنها أهلُ العلم إلاَّ صارتْ سُنَّةً ـ فيما بعد ـ كما نصَّ على ذلك الإمام الأوزاعيُّ ـ رحمه الله ـ.
فالحذرُ من المحدثات والبعدِ عنها حتى لو سماها أهلها بدعةً حسنة فالبدعة كلها ضلالة، والحرص على اتباع السنة وتطبيقها قولاً وعملاً.
قالوا تنقصتم رسول الله ... واعجباً لهذا البغي والبهتان
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يرد الأمة إلى كتابه وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
الأربعاء 10/ 03/1431 هـ
ضيدان بن عبد الرحمن اليامي
¥