تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[حكم الاحتفال بالمولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم]

ـ[مؤسسة ابن جبرين الخيرية]ــــــــ[24 - 02 - 10, 08:39 ص]ـ

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله تعالى أرسل محمداً بالحق بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فقال الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ التوبة:33، وقد هدى الله تعالى به من شاء من العباد، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وقد أكمل الله له الدين، وبلغ البلاغ المبين، وأنزل عليه في آخر حياته قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} المائدة:3، وهذه الآية واضحة الدلالة على كمال هذا الدين، وعدم الاحتياج فيه إلى إضافة أو زيادة أو تكميل في العبادات والقربات، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه البخاري ومسلم، والمعنى أن كل حدث أو تجديد أو أمر أو إضافة عبادة لم يكن لها أصل في الشرع فإن ذلك مردود على من أحدثه، وليس هو من الدين الإسلامي، ولا يجوز التقرب به مهما كان قصد من اخترعه، ولو استحسنه أكثر الناس في بعض الأزمنة أو الأمكنة، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: "إن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" رواه مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه، وذكر أنه كان يقول ذلك في خطبة الجمعة، وفي رواية للنسائي: "وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".

وقد كثر تحذير العلماء من البدع والمحدثات، وكتب في ذلك جمع من العلماء مؤلفات صغيرة أو كبيرة، ونقلوا الآثار عن السلف في التحذير من بدع شاهدوها أو خافوا على الأمة الوقوع في مثلها، وعدوا من البدع الاحتفال بليلة المولد النبوي، والتي توافق ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول، حيث إن هذه البدعة حدثت في القرن الرابع من الهجرة، وبعد انقراض عهد السلف والقرون المفضلة، وقد أحدثها قوم من المسلمين، وقلدوا في ذلك النصارى الذين يحتفلون بليلة ميلاد عيسى كما يدعون، فظن هؤلاء الذين أحدثوا هذا الاحتفال أنه عبادة وقربة وطاعة، وأصبح هذا الاحتفال متمكناً منتشراً في كثير من بلاد الإسلام، حيث قلد الجهال علماء بينهم يحسنون بهم الظن، ويرون رفعة مكانتهم وشرفهم.

ولقد تتابع الجهلة على إحياء تلك الليلة طوال أحد عشر قرناً، وألفوا عليها آباءهم، وقالوا بلسان الحال: {إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} الزخرف:22، وقد غلوا في إحياء تلك الليلة وجعلوها أهم الليالي، وفضلوها على ليلة القدر، وهكذا سول لهم الشيطان وأملى لهم، مع ما يحصل في تلك الليلة من اختلاط الرجال بالنساء كثيراً، ومن الغلو والإطراء للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يقرأونه من الكلمات والمواعظ والخطب فيصفونه بعلم الغيب، وسعة الملك، والتصرف في الكون، مما يحمل الكثير على دعائه مع الله والوقوع في الشرك الذي حرمه الله، والذي يحبط الأعمال، ويخلد أهله في النار، ولو ادعوا أنه توسل واستشفاع، وهكذا يعتقد الكثير أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضرهم في ذلك الاجتماع، ويسمع ما يقولونه وما يمدحونه به، رغم تباعد ما بينهم في البلاد.

ولاشك أن هذا العمل بدعة شنعاء، وحادثة صلعاء، لا أساس لها من الدين، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم ما فعله ولا أمر به ولا أقر من فعله، ولم يفعله الخلفاء الراشدون الذين أمر بالاقتداء بهم، ولم يفعله أهل القرون المفضلة، ولا نقل فضله أو جوازه عن أحد من الأئمة الأربعة، ولا أهل الكتب الستة، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، واحتفال النصارى بليلة ميلاد عيسى هو من بدعهم وخرافاتهم، فلا يجوز تقليدهم فيما ابتدعوه، وقد أخبر الله تعالى أنه أكمل لنا ديننا، فالكامل لا يحتاج إلى إضافة أو زيادة، ففعل هذه البدعة فيه اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبلغ الدين كله، مع قوله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير