تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأخرج أيضاً (8/ 747) برقم (15917) عن ابن عباس قال: التفثُ: الرمي، والذبح، والحلق، والتقصير، والأخذ من الشارب والأظفار واللحية.

وأخرج أيضا عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: كانوا يحبون أن يعفوا اللحية إلا في حج أو عمرة.

وهذا يخالف ما جاء في حديث أبي أمامة من النهي عن قصها.

فأقول وبالله التوفيق: الجواب عن ذلك من أربعة أوجه:

الوجه الأول: أن هذا يخالف المرفوع، وهو مقدمٌ ولا شك على الموقوف، ولا يخفى أن كثيراً من المسائل يأتي فيها عن بعض الصحابة ما يخالف النصوص التي جاءت في الكتاب والسنة، فالعمل على ما جاء في النصوص.

ومثال ذلك: ما جاء عن عمر وعثمان –ونُسب لأبي بكر- y، من النهي عن التمتع في الحج، وقد جاءت السنة بمشروعيته، ولذا في الصحيحين: البخاري (1563) ومسلم (1223) أن علياً قال لعثمان: ما كنت لأدع سنة النبي r لقول أحد. ولبّى بالحج والعمرة معاً.

والأمثلة على ذلك كثيرة.

قلت: وقد يكون هذا النص -وهو حديث أبي أمامة الذي فيه النهي عن القص- قد خفي عليهم، وربما يخفى على بعض الصحابة شيئاً من النصوص الشرعية.

ومن المشهور في ذلك، مسألة: إتيان المرء أهله ولا ينزل. فكان بعض الصحابة يرى عدم الغسل، ولم يبلغه النسخ.

الوجه الثاني: أنه لم ينقل عن كبار الصحابة وفضلائهم كالخلفاء الراشدين، وبقية العشرة؛ أخذُ شيءٍ من لحاهم، وهم أفضل وأجلّ وأعلم ممّن نُقل عنهم الأخذ، ولو كانوا يأخذون من لحاهم لنُقل، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وهو حديث صحيح، صححه جمع من الأئمة.

الوجه الثالث: أن الذين جاء عنهم الأخذ، الذي يظهر أنهم رأوا أن هذا من التفث، كما تقدم في قول ابن عباس، ويؤيد هذا أن ابن عمر لم يكن يأخذ إلا في حجٍ أو عمرة، وهذا ما نصّ عليه جابر، وما جاء عن أبي هريرة يحمل على ذلك، وإن لم يأت ما يقيّده.

قلت: فدلّ هذا على أنهم يرون أن هذا الأخذ من التفث، وإذا تقرر هذا فهل هو صواب؟ الظاهر أن الصواب خلاف ذلك، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك، ولم يأمر أمته به، ولو كان من التفث لبيّنه r.

وعلى الذين يستدلون بما جاء عن هؤلاء الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم- أن يلتزموا بما جاء عنهم، فلا يزيدوا على القبضة، ولا يأخذوا هذا القدر إلا في النسك من حجٍ أو عمرة، فحسب.

الوجه الرابع: أن الأدلة من الكتاب والسنة دلت على أن الذي يؤخذ منه عند التحلل إنما هو شعر الرأس.

قال تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}، وقال تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون}.

وهذا ما دلت عليه السنة صراحة فقد أخرج الشيخان عن عبدالله بن عمر قال: حلق رسول الله r وحلق طائفة من أصحابه وقصر بعضهم فقال: «رحم الله المحلقين» مرة أو مرتين, ثم قال: «والمقصرين».

وفي لفظ: قال: «اللهم ارحم المحلقين». قالوا: والمقصرين؟ قال: «اللهم ارحم المحلقين». قالوا: والمقصرين؟ قال: «والمقصرين».

وفي «الصحيحين» من حديث أبي هريرة أن رسول الله r قال: «اللهم اغفر للمحلقين» , قالوا: وللمقصرين؟ قال: «اللهم اغفر للمحلقين». قالوا: وللمقصرين؟ قال: «اللهم اغفر للمحلقين». قالوا: وللمقصرين؟ قال: «وللمقصرين».

وفي مسلم من حديث يحيى بن الحصين عن جدته أنها سمعت النبي r في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثة, وللمقصرين مرة.

قلت: ولا خلاف بين أهل العلم أن المقصود هنا حلق شعر الرأس أو تقصيره؛ لأنه فضل المحلقين على المقصرين, ولم يقل أحد من أهل العلم بحلق اللحية.

وهذا ما ثبت من فعله r, كما في «الصحيحين» من حديث نافع عن ابن عمر أن النبي r حلق رأسه في حجة الوداع.

وفي «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك أن رسول الله r بعد أن رمى الجمرة قال للحلاق: «خذ» وأشار إلى جانبه الأيمن, ثم الأيسر, ثم جعل يعطيه الناس, وفي لفظ: وقال بيده عن رأسه فحلق شقه الأيمن فقسمه, في من يليه, ثم قال: «احلق الشق الآخر» فقال: «أين أبو طلحة؟» فأعطاه إياه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير