وحكى أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في إحياء علوم الدين (1/ 143) الخلاف في الأخذ من اللحية، وذكر من أجازها ومن كرهها.
وقال النووي (ت676هـ) في شرح مسلم (3/ 151): (والمختار ترك اللحية على حالها، وألا يتعرض لها بتقصير شيءٍ أصلاً).
وقال في المجموع (1/ 357 - 358): (والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقاً، بل يتركها على حالها كيف كانت).
وحكى الشوكاني (ت1250هـ) في نيل الأوطار (1/ 136) الخلاف في الأخذ من اللحية، ثم قال (1/ 142 - 143) -في باب أخذ الشارب وإعفاء اللحية على حديث أبي هريرة (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى) بعد نقله كلام النووي والقاضي عياض-: (قوله (فما فَضُل) بفتح الفاء والضاد المعجمة ويجوز كسر الضاد كعَلِم، والأشهر الفتح. وقد استدل بذلك بعض أهل العلم، والروايات المرفوعة تردّه، ولكنه قد أخرج الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي e كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها. وقال: غريب. قال سمعت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- يقول: (عمر بن هارون، يعني المذكور في إسناده، مقارب الحديث، لا أعرف له حديثاً ليس له أصل، أو قال: ينفرد به، إلا هذا الحديث، لا نعرفه إلا من حديثه)، وقال في التقريب: (إنه متروك وكان حافظاً من كبار التاسعة)، فعلى هذا أنها لا تقوم بالحديث حجة).
وقال أبو العلا المباركفوري (ت 1353هـ) في تحفة الأحوذي (8/ 39): (فأسلم الأقوال هو: قول من قال بظاهر أحاديث الإعفاء وكره أن يؤخذ شيء من طول اللحية وعرضها).
هذا والله تعالى أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه والتابعين ..
([1]) هو الشيخ إبراهيم بن الشيخ يوسف الشنقيطي، من مواليد عام (1378هـ) بمدينة أبي تلميت في الجمهورية الإسلامية الموريتانية (بلاد شنقيط)، وهو من علماء اللغة العربية المتخصصين المتمكنين فيها، ومشارك في غيرها من العلوم، لا سيما علم التفسير، وقد طلبت منه أن يحرر معنى (الإعفاء) في اللغة، فكتب -جزاه الله خيراً- بحثاً في ذلك، واخترت طرفاً منه هنا.
([2]) القائل الشيخ إبراهيم.
([3]) وهو حديث مستقيم ثابت إسناداً ومتناً، محفوظ لفظاً ومعنى، وقد توسعت في تخريجه والكلام عليه في كتاب «التيسير».
([4]) ينظر: مراتب الإجماع (ص157).
([5]) كذا في المطبوع, والأقرب أنه: حَبَّان بن هلال.
([6]) «اختلاف مالك والشافعي» (مع الأم- 8/ 718).
([7]) ويحتمل احتمالا كبيرا أن الشافعي يقصد هنا الأصلع, وذلك بدليل قوله: (حتى يضع من شعره شيئا لله) لأن غير الأصلع قد وضع شعره لله, وذلك بحلقه أو تقصيره بخلاف الأصلع, وهذا فيما يظهر ما فهمه النووي في «المجموع» () فقال: (إذا لم يكن على رأسه شعر بأن كان أصلع أو محلوقا فلا شيء عليه, فلا يلزمه فدية ولا امرار الموسى ولا غير ذلك لما ذكره المصنف, ولو نبت شعره بعد ذلك لم يلزمه حلق ولا تقصير بلا خلاف؛ لأنه حالة التكليف لم يلزمه, قال الشافعي والأصحاب: ويستحب لمن لا شعر على رأسه إمرار الموسى عليه, ولا يلزمه ذلك بلا خلاف عندنا. قال الشافعي: ولو أخذ من شاربه أو من شعر لحيته شيئا كان أحب إلي ليكون قد وضع من شعره شيئا لله تعالى. هكذا ذكر الشافعي هذا النص, ونقله الأصحاب واتفقوا عليه ... إلى أن قال: هذا كله فيمن لم يكن على رأسه شعرا أصلا) ا. هـ
وهناك من أهل العلم من فهم من كلام الشافعي الإطلاق للإصلع وغيره كابن المنذر في «الإشراف» (3/ 456) , والله تعالى أعلم.
([8]) لم يثبت في ذلك حديث صحيح عن النبي r.
([9]) جميعهم من طريق يحيى بن سعيد عن ابن عجلان به، وتابعه سفيان عند أبي داود. وأخرج أبو جعفر العقيلي في الضعفاء (2/ 621 - تحقيق السلفي) من طريق ابن جريج، قال: أخبرني زياد، أن ابن عجلان حدثه، أن عمرو بن شعيب حدثه، أن النبي e قال: فذكره بنحوه. قلت: يبدو أنه سقط من الإسناد (عن أبيه عن جده)، وعلى هذا فالأقرب أنه ليس ثمة اختلاف على ابن عجلان، والله أعلم.
([10]) هناك بعض الأحاديث التي تستنكر، وللإمام مسلم جزء فيما يستنكر على هذه السلسلة.
([11]) توسعت في تحقيق القول في حماد بن سلمة في كتاب «التيسير».
([12]) توسعت في تحقيق القول في محمد بن عمرو بن علقمة في كتاب «التيسير».
([13]) أخرجه الترمذي (1635) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 39) والطبراني في مسند الشاميين (2/ 188) جميعهم من طريق: خالد بن معدان، عن كثير بن مرة، عن عمرو بن عبسة.
وأخرجه أحمد (4/ 113) والنسائي (3142) وفي الكبرى (3/ 18، 19)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 82، 83) جميعهم من طريق: سليم بن عامر. والنسائي (3145) من طريق: خالد بن زيد. والبيهقي في الكبرى (10/ 272) من طريق: أسد بن وداعة. ثلاثتهم (سليم، وخالد، وأسد) عن: شرحبيل بن السمط، عن عمرو بن عبسة.
وأخرجه الطيالسي (1152) من طريق شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة.
وأخرجه الطيالسي (1154) -ومن طريقه البيهقي في الكبرى (10/ 272) -، وابن حبان (7/ 252) من طريق: سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن عمرو بن عبسة.
وأخرجه أحمد (4/ 386) وسعيد بن منصور (2419) وعبد بن حميد (298) من طريق أبي أمامة، عن عمرو بن عبسة.
وأخرجه عبد الرزاق (1/ 52)، (5/ 260) ومن طريقه عبد بن حميد (302) من طريق: أبي قلابة، عن عمرو بن عبسة.
وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2/ 238)، (4/ 340) من طريق: مكحول، عن عمرو بن عبسة.
وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (3/ 155) من طريق: أسد بن وداعة، عن عمرو بن عبسة.
([14]) ومن المعلوم أن الأئمة المتقدمين يطلقون لفظ الكراهة ويريدون به التحريم، قال ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 32 - الطبعة المنيرية): (وقد غلط كثير من المتأخرين من أتباع الأئمة على أئمتهم ... حيث تورع الأئمة عن إطلاق لفظ التحريم، وأطلقوا لفظ الكراهة، فنفى المتأخرون التحريم عما أطلق عليه الأئمة الكراهة، ثم سَهُل عليهم لفظ الكراهة، وخفّت مؤنته عليهم، فحمله بعضهم على التنزيه، وتجاوز به آخرون إلى كراهة ترك الأولى، وهذا كثيرٌ جداً في تصرفاتهم، فحصل بسببه غلط عظيم على الشريعة وعلى الأئمة).