تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الْفَرْقُ الْأَرْبَعُونَ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمُسْكِرَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُرْقِدَاتِ وَقَاعِدَةِ الْمُفْسِدَاتِ) هَذِهِ الْقَوَاعِدُ الثَّلَاثُ قَوَاعِدُ تَلْتَبِسُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا أَنَّ الْمُتَنَاوَلَ مِنْ هَذِهِ إمَّا أَنْ تَغِيبَ مَعَهُ الْحَوَاسُّ أَوْ لَا فَإِنْ غَابَتْ مَعَهُ الْحَوَاسُّ كَالْبَصَرِ وَالسَّمْعِ وَاللَّمْسِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ فَهُوَ الْمُرْقِدُ وَإِنْ لَمْ تَغِبْ مَعَهُ الْحَوَاسُّ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْدُثَ مَعَهُ نَشْوَةٌ وَسُرُورٌ وَقُوَّةُ نَفْسٍ عِنْدَ غَالِبِ الْمُتَنَاوِلِ لَهُ أَوْ لَا فَإِنْ حَدَثَ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُسْكِرُ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفْسِدُ فَالْمُسْكِرُ هُوَ الْمُغَيِّبُ لِلْعَقْلِ مَعَ نَشْوَةٍ وَسُرُورٍ كَالْخَمْرِ وَالْمِزْرِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الْقَمْحِ وَالْبِتْعِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الْعَسَلِ وَالسُّكْرُكَةِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ مِنْ الذُّرَةِ وَالْمُفْسِدُ هُوَ الْمُشَوِّشُ لِلْعَقْلِ مَعَ عَدَمِ السُّرُورِ الْغَالِبِ كَالْبَنْجِ وَالسَّيْكَرَانِ وَيَدُلُّك عَلَى ضَابِطِ الْمُسْكِرِ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَنَشْرَبُهَا فَتَتْرُكُنَا مُلُوكًا وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ فَالْمُسْكِرُ يَزِيدُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْمَسَرَّةِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ وَالْمَيْلِ إلَى الْبَطْشِ وَالِانْتِقَامِ مِنْ الْأَعْدَاءِ وَالْمُنَافَسَةِ فِي الْعَطَاءِ وَأَخْلَاقِ الْكُرَمَاءِ وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي وَصَفَ بِهِ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَلِأَجْلِ اشْتِهَارِ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْمُسْكِرَاتِ أَنْشَدَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ زَعَمَ الْمُدَامَةَ شَارِبُوهَا أَنَّهَا تَنْفِي الْهُمُومَ وَتَصْرِفُ الْغَمَّا صَدَقُوا سَرَّتْ بِعُقُولِهِمْ فَتَوَهَّمُوا أَنَّ السُّرُورَ لَهُمْ بِهَا تَمَّا سَلَبَتْهُمْ أَدْيَانَهُمْ وَعُقُولَهُمْ أَرَأَيْت عَادِمَ ذَيْنِ مُغْتَمَّا فَلَمَّا شَاعَ أَنَّهَا تُوجِبُ السُّرُورَ وَالْأَفْرَاحَ أَجَابَهُمْ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ. وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْحَشِيشَةَ مُفْسِدَةٌ وَلَيْسَتْ مُسْكِرَةٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَجِدُهَا تُثِيرُ الْخَلْطَ الْكَامِنَ فِي الْجَسَدِ كَيْفَمَا كَانَ فَصَاحِبُ الصَّفْرَاءِ تُحْدِثُ لَهُ حِدَّةً وَصَاحِبُ الْبَلْغَمِ تُحْدِثُ لَهُ سُبَاتًا وَصَمْتًا وَصَاحِبُ السَّوْدَاءِ تُحْدِثُ لَهُ بُكَاءً وَجَزَعًا وَصَاحِبُ الدَّمِ تُحْدِثُ لَهُ سُرُورًا بِقَدْرِ حَالِهِ فَتَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَدُّ بُكَاؤُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَدُّ صَمْتُهُ وَأَمَّا الْخَمْرُ وَالْمُسْكِرَاتُ فَلَا تَكَادُ تَجِدُ أَحَدًا مِمَّنْ يَشْرَبُهَا إلَّا وَهُوَ نَشْوَانُ مَسْرُورٌ بَعِيدٌ عَنْ صُدُورِ الْبُكَاءِ وَالصَّمْتِ وَثَانِيهمَا أَنَّا نَجِدُ شُرَّابَ الْخَمْرِ تَكْثُرُ عَرْبَدَتُهُمْ وَوُثُوبُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِالسِّلَاحِ وَيَهْجُمُونَ عَلَى الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي لَا يَهْجُمُونَ عَلَيْهَا حَالَةَ الصَّحْوِ وَهُوَ مَعْنَى الْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: وَأُسْدًا مَا يُنَهْنِهُنَا اللِّقَاءُ وَلَا نَجِدُ أَكَلَةَ الْحَشِيشَةِ إذَا اجْتَمَعُوا يَجْرِي بَيْنَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُسْمَعْ عَنْهُمْ مِنْ الْعَوَائِدِ مَا يُسْمَعُ عَنْ شُرَّابِ الْخَمْرِ بَلْ هُمْ هَمَدَةٌ سُكُوتٌ مَسْبُوتِينَ لَوْ أَخَذْت قُمَاشَهُمْ أَوْ سَبَبْتَهُمْ لَمْ تَجِدْ فِيهِمْ قُوَّةَ الْبَطْشِ الَّتِي تَجِدُهَا فِي شَرَبَةِ الْخَمْرِ بَلْ هُمْ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبَهَائِمِ وَلِذَلِكَ إنَّ الْقَتْلَى يُوجَدُونَ كَثِيرًا مِنْ شُرَّابِ الْخَمْرِ وَلَا يُوجَدُونَ مَعَ أَكَلَةِ الْحَشِيشَةِ فَلِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَا أَعْتَقِدُ أَنَّهَا مِنْ الْمُفْسِدَاتِ لَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ وَلَا أُوجِبُ فِيهَا الْحَدَّ وَلَا أُبْطِلُ بِهَا الصَّلَاةَ بَلْ التَّعْزِيرُ الزَّاجِرُ عَنْ مُلَابِسِهَا (تَنْبِيهٌ) تَنْفَرِدُ الْمُسْكِرَاتُ عَنْ الْمُرْقِدَاتِ وَالْمُفْسِدَاتِ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْحَدِّ وَالتَّنْجِيسِ وَتَحْرِيمِ الْيَسِيرِ وَالْمُرْقِدَاتُ وَالْمُفْسِدَاتُ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا نَجَاسَةَ فَمَنْ صَلَّى بِالْبَنْجِ مَعَهُ أَوْ الْأَفْيُونِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ الْيَسِيرِ مِنْهَا فَمَنْ تَنَاوَلَ حَبَّةً مِنْ الْأَفْيُونِ أَوْ الْبَنْجِ أَوْ السَّيْكَرَانِ جَازَ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْرًا يَصِلُ إلَى التَّأْثِيرِ فِي الْعَقْلِ أَوْ الْحَوَاسِّ أَمَّا دُونَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَحْكَامُ وَقَعَ بِهَا الْفَرْقُ بَيْن الْمُسْكِرَاتِ وَالْآخَرِينَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاضْبُطْهُ فَعَلَيْهِ تَتَخَرَّجُ الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَامُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ اهـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير