كانَ أنِ انخدعَ العامَّةُ البُسطاءُ بكلِّ ذي وجهٍ يبرقُ بأنوارِ الكاميراتِ حتى صدَّقَ عليهم إبليسُ ظنَّهُ واعتقدوا أن لا مُتَّسعَ في هذه الشَّاشاتِ إلا لورثةِ الأوزاعيِّ وحمَّادٍ وأبي حنيفةَ ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وابنِ حزمٍ وأبي جعفرَ والبناني وأشهبَ.!
وكانَ أنِ التَبسَ على أولئكَ الضيوفِ الواقعُ بالخيالاتِ والأحلامِ فانتقلوا عبرَ خطوطِ الأمانيِّ الجويَّةِ من أرضِ الواقعِ وحلَّقوا في سماءِ الخيالِ الخصبِ الذي لا يُدركُ مداهُ ولا يُنالُ منتهاهُ.!
وفي أثناءِ هذه الرحلةِ الجويَّةِ ومقاعدها الوثيرةِ نسيَ أولئك أو تناسوا حجمهمُ الحقيقيَّ وتخصُّصاتهمُ الأساسيِّةَ فصاروا يرونَ الجبالَ الشمَّ كأدقِّ ما يكونُ الذرُّ نظراً لارتفاعِ الطائرةِ بهم , وخيَّل لهم أبو مُرَّةَ الغَرورُ أنَّ في وسعهم السيرَ على الأرضِ بذاتِ السُّرعةِ التي تسيرُ بها الطائرةُ فهمُّوا بما لم ينالوا من اختصارِ الأعمارِ واصطفافهم في صعيدٍ واحدٍ مع من شابتْ رؤوسهم وفنيت أعمارهم بين التعلُّمِ والتعليمِ مع أنَّهمْ لم يبلغوا معشارَ معشارَ ما آتاهمُ الله.!
وكانَ أن ظنَّ أولئك المشايخُ الذين انتقلوا من الاستشاراتِ الأسريةِ ووسائلِ تربيةِ البناتِ واختيارِ قصصِ ما قبلَ النومِ والحديثِ عن وسائلِ المُذاكرةِ وعلاجِ الاضطراباتِ بعد (سنة أولى) زواجِ إلى البتِّ في مسائلَ ونوازلَ لو نظرَ فيها عمرُ لجمعَ لها أهلَ بدرٍ وقراءَ القرآنِ.!!
وكانَ أن صارَ أحدُ أولئكَ يتكلمُ بكلامٍ لو سمعتهُ الثكلى - أمُّ الوحيدِ التي لا سبيل لها أن تنجبَ - لتناست مصيبتها من فرطِ الضَّحكِ , فكيفَ بغيرها.؟؟
فأحدهم يتحدَّثُ عن مفهومِ المخالفةِ وهو أعلمُ بالساعةِ أيَّانَ مرساها منهُ بأصولِ الفقهِ وفي برنامجٍ مباشرٍ ولا يستحي أو يعودُ فيعتذرُ اغتراراً منهُ برصيد الشهرةِ الذي يمتلكهُ ولو سكتَ لكانَ خيراً لهُ إذ جعلَ مفهومَ المخالفةِ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {أَيُّمَا امرأةٍ سألت زوجها الطلاق من غير بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنة} أنَّ الرَّجُل الذي يطلقُ من غيرِ بأسٍ حرام عليهِ رائحةُ الجنة كذلك.!
والآخرُ يُسألُ عن حكمٍ يتعلقُ بشرطٍ من شروطِ صحة الصلاةِ - لتي يُلَقَّنُها الناشئةُ في أوائلِ سنواتِ المرحلةِ الابتدائيَّةِ - ببرنامجٍ على الهواءِ , وفؤادهُ من الفقهِ هواءٌ , فلا يفيدُ السامعَ بغير المخرقةِ والهُراءِ فراراً من قول: لا أدري.!!
والآخرُ يُسألُ في الأنساكِ لمن نسي الحلقَ وهو يبعدُ عن مكةَ مفاوزَ وقفاراً فيجيبُهُ بأن يلبسَ الإحرامَ ويدخلَ لأقربِ حلاَّقٍ وهو بإحرامه.!!!
والرابعُ يُسألُ عن قوله تعالى (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) فيمنعهُ بريقُ الكاميراتِ وإعجابُ المصورينَ وحبكةُ الكبسةِ بعد البرنامجِ من قول لا أدري , ويقول:
يعني لا ينظرون للأواني بعد العزومة , لا!! , ولكن يوزعون ما بقي من الطعام على الجيران والفقراء.!!!!!!
فما لهؤلاء القومِ.؟ أفي قلوبهم مرضٌ.؟ ألا يكادونَ يفقهونَ , أو يتعلمونَ , أو يعقلون أو حتَّى يسكتونَ فيُريحونَ ويستريحون.؟؟
كيف لو رآهمْ الإمامُ ربيعةُ القائلُ - في زمنهِ الزاهر العاطر الزاخر بفحولِ المفسرينَ وأساطينِ الفقهِ والديانة والحصافة - {ولَبعضَ مَنْ يُفتى هَهنا أحقُّ بالحبسِ مِن السُّرَّاق}
فليتقِ اللهِ مُعدُّوا البرامجِ ومُقدِّموها ومُلاَّكُ القنواتِ , وليعلموا أنَّ مَن مكَّنَ هؤلاءِ الجهلةَ الأغرارَ المُتعالمينَ من التصدُّرِ والظُّهورِ لهُ كفلٌ من سيئاتهم وأوزارهم يتخففون منها ويحتملها على ظهره ..
وليتواصَ طلبةُ العلمِ بتبصير أهليهم ونسائهم وذراريهم بأن لا يثقوا بكل من (تمكيجَ) وظهر على الشاشةِ (وإن حملَ الدال).!
¥