تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[صيام رمضان ووداعه .. مبارك الميلي -رحمه الله-]

ـ[العاصمي الجزائري]ــــــــ[08 - 03 - 10, 05:38 م]ـ

صيام رمضان ووداعه

مبارك الميلي -رحمه الله- نقلا عن كتاب (الشيخ مبارك الميلي حياته العلمية ونضاله الوطني) للأستاذ محمد الميلي ص198 - 201

اذا تفقهت في الصيام وما شرع له الاسلام من آداب وجدته من خير ما يكمل المرء ويزكي النفس ويصلح المجتمع فان تكرر الصيام كالتردد على دروس راقية في التربية والأخلاق ومجيء رمضان من كل سنة كافتتاح مدرسة سنوية لذلك يقبل بها كل مكلف شرعا من مكلف طبعا بعمل جليل أو حقير في الهيئة الاجتماعية واذا فقهت ما في مدرسة الصيام من منافع للفرد والمجتمع فتصور سعادة الأسرة الانسانية الكبرى ولو أنها كلها دخلت هذه المدرسة ونجح معظم تلاميذها في فهم دروسها واجادة تطبيقها.

من أجل ذلك ندب الله الى الصيام وكتبه في شهر رمضان وانا ننبه في ايجاز على لفظ الآداب الخلقية المستفادة من مدرسة الصيام لمن وفق الى دخولها وانتبهت بصيرته لدقائق دروسها:

1 - فمن تربية الارادة لأن الصائم يدع باختياره ما تدعوه نفسه اليه ولكن الخير في تركه ومن غلب هواه شهرا متتابع الأيام لا يعجز أن يغلبه في بقية شهور العام وبتكرر السنين على تغلبه يصبح غلب الهوى والنفس عادة ميسورة وكثير من الناس يألف شيئا ثم يصبح منكرا له يعقله ولكن لا يدعه من ضعف ارادته

فالارادة بتربيتها وتقويتها هي التي تعين المقتصد والتائب على ما يهم به من ترك قهوة ودخان مثلا أو خمر وميسر وغيرهما فكل من العني والفقير والشريف والوضيع والصحيح والمريض في حاجة شديدة الى ارادة قوية

2 - ومن ذلك التعود على الصبر لأن الصائم يجد ما تشتهيه نفسه ويصبر عن تناوله وأنت في الدنيا بين مطالب عالية لا تدرك الا باستسهال الصعاب ومصائب عاتية لا يهون من وقعها الا الجلد ومن حرم الصبر ضاعت من يديه مطالبه وقضت على آماله وقضت على آماله في الحياة مصائبه

3 - ومن ذلك تكرير المراقبة لله في السر والعلانية لأن الصائم قد يخلوا منفردا ولا يرده عن تمتيع نفسه بما لذ من طعام وشراب الا شعوره بعلم الله به وعدم رضاه لذلك منه ومن كان صاحب مراقبة فهو ذو ضميرومن كان له ضمير يحجزه عن القبائح والدناءات فقد استكمل انسانيته

4 - ومن ذلك اكتساب عفة اللسان لأن الصائم يمسك عن الرفث والصخب ومجازاة من سبه ومجاراة من سفه عليه واتللسان ترجمان القلب وآلة التخاطب فاذا صلح دل على صلاح القلب وحسن المعاشرة وهنالك رضي الله ورضى الناس وهنالك الهناء والسعادة

5 - ومن ذلك تنبيه عاطفة الرحمة لأن الصائم يجد من مس الجوع والعطش ما يشعره بحقيقة ألمهما ويدله على ألم ما اليهما من عري ومرض فيتصور ذلك عند مشاهدة مصاب تصورا يحمله على التخفيف من ألم المصاب بكلمة طيبة هي مبلغ مستطاعه أو باعانة مادية ان قدر عليها والرحمة من صفات الرب وهو لا يتصف الا بالكمال ومن ضعفت رحمته ضعفت انسانيته وكثفت وحشيته

6 - ومن ذلك تكوين الشعور بالمساواة لأن الصائمين مستوون في حكم الصيام

وهذا الشعور يرفع المستضعف عن الاستكانة لمن أراده باهانة ويبعث فيه العزة من حاول استعباده وينزل بالمستكبر عن عليائه ويزيل منه داء كبريائه واذا عمت المساواة انطلقت العقول وأخرجت قوة النفس مواهبها فسعد البشر حيث لا رقيب متجبر ولا واش متملق

7 - ومن ذلك تغذية الشعور بالاحسان وشكر المحسن لأن صيام رمضان شكر

على نعمة الهداية بانزال القرآن ومعرفة الجميل لأهله استزادة من الجميل وتشجيع عليه

8 - ومن ذلك الاحتفاظ بالذكريات التاريخية لأن صيامنا اليوم رمضان هو احياء لذكرى ذلك الشهر الذي بعث فيه رسول الرحمة متمم مكارم الأخلاق وانزل فيه أول آيات من القرآن في الدعاء الى القراءة والتعليم وتمجيد العلم وتكريم القلم وكل شعب احتفظ بذكرياته التاريخية فقد احتفظ بمادة وجوده ولم يكن سهل المساغ لمن اهتم بابتلائه فان جرؤ جريء على ازدرائه مزدريا بمقومات قوميته بقي له كالشجا بين حلقه والوريد

يدرك هذه الآثار وما اليها لعبادة الصيام من تفقه في قوله تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) الآية 183 سورة البقرة وقوله سبحانه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) الآية 185 سورة البقرة ومن وقف كذلك على ما جاء من أحاديث في فضل الصيام وآدابه

وبعد فهل قدر الناس قدر رمضان أم وقف الصائمون على أسرار الصيام وقصدوا اليها؟

لقد قدر الصحابة رضوان الله عليهم قدر هذه العبادة وفقهوا أسرارها فظهرت عليهم آثارها وجنوا ثمراتها فكانوا خير أمة عرفها التاريخ عدلا وفضلا وبساطة في العيش ورقيا في العقل وحرية واحتراما للنظام

أما اليوم ودهرا قبل اليوم فقد أمسى المسلمون يتبرمون من الصيام وفيهم –وما أكثرهم بالحواظر- من انحلوا من هذه الشعيرة ورفضوها رامين من حافظ عليها بالجمود والتهيج وعامتهم لا يتأدبون بآدابه ولا يشعرون بفوائده صباحهم كسل وهيام ومساؤهم ضوضاء وخصام وليلهم تبذير في المباح والحرام فاذا انقضى الشهر ودعوه وداع المستثقل لظله وخرجوا منه خروج المجرم من السجن وكان عيجهم كفرا لا شكرا وحوبة لا توبة

يجب أن أن نرجع الى سيرة السلف الأولى لنستعيد ما أضاعه علينا الخروج عنها فنقدر رمضان قدره ونودعه وداع من عرف فضله وسره فيكون عيدنا شكرا على نعمة محبوبة وحفاوة بمنحة موهوبة لا نتنعم فيه الا بما يرضي المنعم ولا نستطيب فيه الا ما ليس فيه مأثم ثم يكون عامنا استذكارا لدروس مدرسة الصيام واستحضارا لفوائدها الجسام فان فعلنا كنا الأقوام يرضى عنا الملك العلام ويقرأ حسابنا كل الأنام ويعتد بنا في حالي الخطر والسلام

(البصائر)

22 رمضان 1356 ه – 26/ 11/1937 م

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير