ـ[أبو البراء القصيمي]ــــــــ[16 - 03 - 10, 01:40 م]ـ
كتاب الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم الجوزية
فصل
وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها
قال المروذي قلت لأحمد استعرت كتابا فيه أشياء رديئة ترى أن أخرقه أو أحرقه قال نعم فاحرقه وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر كتابا اكتتبه من التوراة وأعجبه موافقته للقرآن فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه
فكيف لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بها ما في القرآن والسنة والله المستعان
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كتب عنه شيئا غير القرآن أن يمحوه ثم أذن في كتابة سنته ولم يأذن في غير ذلك
وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها بل مأذون في محقها وإتلافها وما على الأمة أضر منها وقد حرق الصحابة جميعا المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الاختلاف فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف والتفرق بين الأمة
وقال الخلال أخبرني محمد بن أبي هارون أن أبا الحارث حدثهم قال قال أبو عبد الله أهلكهم وضع الكتب تركوا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على الكلام
وقال أخبرني محمد بن أحمد بن واصل المقرى قال سمعت أبا عبد الله وسئل عن الرأي فرفع صوته وقال لا يثبت شيء من الرأي عليكم بالقرآن والحديث والآثار
وقال في رواية ابن مشيش إن أبا عبد الله سأله رجل فقال أكتب الرأي فقال ما تصنع بالرأي عليك بالسنن فتعلمها وعليك بالأحاديث المعروفة
وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول هذه الكتب بدعة وضعهاوقال إسحاق بن منصور سمعت أبا عبد الله يقول لا يعجبني شيء من وضع الكتب من وضع شيئا من الكتب فهو مبتدع
وقال المروذى حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا حماد بن زيد قال قال لي ابن عون يا حماد هذه الكتب تضل وقال الميموني ذاكرت أبا عبد الله خطأ الناس في العلم فقال وأي الناس لا يخطئ ولا سيما من وضع الكتب فهو أكثر خطأ
وقال إسحاق سمعت أبا عبد الله وسأله قوم من أردبيل عن رجل يقال له عبد الرحيم وضع كتابا فقال أبو عبد الله هل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذا أو أحد من التابعين وأغلظ وشدد في أمره وقال انهوا الناس عنه وعليكم بالحديث
وقال في رواية أبي الحارث ما كتبت من هذه الكتب الموضوعة شيئا قطوقال محمد بن زيد المستملي سأل أحمد رجل فقال أكتب كتب الرأي قال لا تفعل عليك بالحديث والآثار فقال له السائل إن ابن المبارك قد كتبها فقال له أحمد ابن المبارك لم ينزل من السماء إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق
وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي وذكر وضع الكتب فقال أكرهها هذا أبو فلان وضع كتابا فجاءه أبو فلان فوضع كتابا وجاء فلان فوضع كتابا فلا انقضاء له كلما جاء رجل وضع كتابا وهذه الكتب وضعها بدعة كلما جاء رجل وضع كتابا وترك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليس إلا الأتباع والسنن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعاب وضع الكتب وكرهه كراهة شديدة وقال المروذى في موضع آخر قال أبو عبد الله يضعون البدع في كتبهم إنما أحذر عنها أشد التحذير قلت إنهم يحتجون بمالك أنه وضع كتابا فقال أبو عبد الله هذا ابن عون والتيمي ويونس وأيوب هل وضعوا كتابا هل كان في الدنيا مثل هؤلاء وكان ابن سيرين وأصحابه لا يكتبون الحديث فكيف الرأي
وكلام أحمد في هذا كثير جدا قد ذكره الخلال في كتاب العلم
ومسألة وضع الكتب فيها تفصيل ليس هذا موضعه وإنما كره أحمد ذلك ومنع منه لما فيه من الاشتغال به والإعراض عن القرآن والسنة فإذا كانت الكتب متضمنة لنصر القرآن والسنة الذب عنهما إبطال الآراء والمذاهب المخالفة لهما فلا بأس بها وقد تكون واجبة ومستحبة ومباحة بحسب اقتضاء الحال والله أعلم
والمقصود أن هذه الكتب المشتلمة على الكذب والبدعة يجب إتلافها وإعدامها وهي أولى بذلك من إتلاف آلات اللهو والمعازف وإتلاف آنية الخمر فإن ضررها أعظم من ضرر هذه ولا ضمان فيها كما لا ضمان في كسر أواني الخمر وشق زقاقها
قال المروذي قلت لأبي عبد الله لو رأيت مسكرا في قنينة أو قربة تكسر أو تصب قال تكسر
وقال أبو طالب قلت نمر على المسكر القليل أو الكثير أكسره