تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهو تعويد المسلمين على مسألة هدم الأقصى، فكلما طرقت قضية هدم الأقصى مسامع المسلمين تعوَّدوا عليها، وصارت الكلمة مألوفة وغير مستهجنة، فإذا حدث الهدم الحقيقي للأقصى لم يُحَرِّك ذلك المسلمين بالصورة المطلوبة، وهذا يُشبه التطعيم الذي يقوم به الأطباء للوقاية من الأمراض، فنحن في التطعيم قد نقوم بحقن الإنسان بميكروب تم إضعافه في المعمل؛ حتى يتعوَّد الجسم عليه، ويتعرَّف على طبيعته، فإذا حدث يومًا ما أن هاجم الميكروب الحقيقي الجسم، لم يُحْدِث الآثار الخطيرة التي تنتج عادة من هجومه .. فاليهود يقومون بتطعيم المسلمين بهذه الأخبار المتدرجة عن موضوع هدم الأقصى، فإذا تم الهدم بالفعل بعد عام أو عامين أو عشرة، لم ينزعج المسلمون الانزعاج المطلوب، ويمرُّ الأمر بسلام على اليهود ..

هذا هدف ..

أما الهدف الثاني:

فهو قياس رد فعل المسلمين عند إثارة القضية؛ فاليهود يخشون رد فعل المسلمين ومظاهرات لنصرة الأقصى من ردَّة فعل المسلمين، التي من الممكن أن تطيح بالوجود اليهودي في القدس، بل وفي فلسطين؛ ولذلك فهم يُسَرِّبون هذه الأنباء المتدرجة إلى وسائل الإعلام، ويقيسون ردود الأفعال الإسلامية في فلسطين والعالم العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع، وهذا القياس يكون بصورة علمية مدروسة؛ يستطيعون بها توقُّع ردِّ فعل المسلمين إن هُدِم الأقصى بالفعل، فإن شعر اليهود أن الأمر سيكون خارج السيطرة أجَّلُوا الهدم، وإن رأوا أن ردَّ الفعل لن يكون خطيرًا قاموا بهدمه وهم آمنون.

ولذلك فإن المسلمين جميعًا مطالبون بإظهار ردِّ فعل قوي وبارز، بل ومبالغ فيه؛ حتى يرهب اليهود ويردعهم، ويُؤَجِّل خططهم أو يُفَشِّلها، وبغير هذا التفاعل فإن فكرة هدم الأقصى ستتزايد في أذهان اليهود، حتى تتحول إلى أمر واقعي نراه جميعًا ..

ولعل سائلاً يسأل: ولماذا يريد اليهود هدم الأقصى تحديدًا؟ ولماذا يُهَيِّجُون عليهم أمة الإسلام؟ وهل لا يكفيهم احتلال فلسطين بكاملها، حتى يفكروا في هدم الأقصى كذلك؟!

إن الحجة المعلنة للعالم أنهم يبحثون عن هيكلهم تحت المسجد الأقصى، وانشغل العالم والمسلمون معهم بتوقع مكان الهيكل، وهل هو موجود فعلاً تحت المسجد الأقصى، أم إنه موجود تحت مسجد قبة الصخرة، أم إنه موجود على جبل الهيكل، أم غير ذلك من الأماكن التي يطرحها الباحثون والمحللون.

وواقع الأمر - الذي أقتنع به تمامًا- هو أنه ليس هناك هيكل من الأساس!! فليس هناك أي دليل علمي يُثبت وجود هذه الأسطورة اليهودية، وليست التوراة المحرفة بدليل؛ فاليهود يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً، كما إنه من المعلوم أن الأقصى قديم جدًّا، وأنه بُني بعد الكعبة بأربعين سنة؛ كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلَ؟ قال: "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ". قال ثم أي؟ قال: "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى". قال: كم بينهما؟ قال: "أَرْبَعُونَ سَنَةً" [1].

والعلماء يختلفون في بداية بناء الكعبة، ومن ثم الأقصى، ولكنه على كل حال قديم جدًّا، وقد يكون من بناء الملائكة، أو آدم u، أو إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ولذا فالأقصى كان موجودًا حتمًا في زمن داود وسليمان -عليهما السلام- وهو دار عبادة للموحدين والمؤمنين، وليس من المعقول أن يترك داود أو سليمان -عليهما السلام- هذا المكان المقدس ليبنيا مكانًا خلافه لعبادة الله فيه، وأما الحديث الذي رواه النسائي وأحمد وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- وقال فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللهَ ثَلاثًا ... " [2]. إلى آخر الحديث، فإن هذا الحديث يتحدَّث عن تجديد سليمان عليه السلام لبناء الأقصى، الذي مرَّت سنوات عديدة وطويلة على بنائه، وهو تصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سليمان بني بيت المقدس ولم يَبْنِ هيكلاً خاصًّا .. وكلام رسولنا صلى الله عليه وسلم مُقَدَّم عندنا على التوراة المحرفة، ومع ذلك فنحن نعلم أن اليهود لن يُصَدِّقوا بهذا، ولو صدقوه لن يعلنوا هذا التصديق، وتبقى القوة هي العامل الوحيد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير