[ما هو العلم الذي أسره أبو هريرة رضي الله عنه، وخاف من نشره؟!]
ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[22 - 03 - 10, 08:19 م]ـ
السؤال: هل يمكنكم أن تشرحوا بشيء من التفصيل أي أنواع العلم لم يكن أبو هريرة ينشره، هذا الحديث مأخوذ من الجزء الأول كتاب 3 الحديث 121 من صحيح البخاري. رواه أبو هريرة: (حفظت عن رسول الله وعاءين، فأما الأول فبثثته، وأما الآخر وأما الآخر لو بثثته قطع هذا البلعوم). جزاكم الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (120) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: " حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "الفتح" (1/ 216):
" حَمَلَ الْعُلَمَاء الْوِعَاء الَّذِي لَمْ يَبُثّهُ عَلَى الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تَبْيِين أَسَامِي أُمَرَاء السُّوء، وَأَحْوَالهمْ وَزَمَنهمْ , وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَكُنِّي عَنْ بَعْضه وَلَا يُصَرِّح بِهِ، خَوْفًا عَلَى نَفْسه مِنْهُمْ , كَقَوْلِهِ: أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ رَأْس السِّتِّينَ وَإِمَارَة الصِّبْيَان؛ يُشِير إِلَى خِلَافَة يَزِيد بْن مُعَاوِيَة لِأَنَّهَا كَانَتْ سَنَة سِتِّينَ مِنْ الْهِجْرَة. وَاسْتَجَابَ اللَّه دُعَاء أَبِي هُرَيْرَة فَمَاتَ قَبْلهَا بِسَنَةٍ.
قَالَ اِبْن الْمُنِير: وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَة بِقَوْلِهِ: " قُطِعَ " أَيْ: قَطَعَ أَهْل الْجَوْر رَأْسه إِذَا سَمِعُوا عَيْبه لِفِعْلِهِمْ وَتَضْلِيله لِسَعْيِهِمْ , وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيث الْمَكْتُوبَة لَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مَا وَسِعَهُ كِتْمَانهَا. وَقَالَ غَيْره: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَرَادَ مَعَ الصِّنْف الْمَذْكُور مَا يَتَعَلَّق بِأَشْرَاطِ السَّاعَة وَتَغَيُّر الْأَحْوَال وَالْمَلَاحِم فِي آخِر الزَّمَان , فَيُنْكِر ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْلَفهُ , وَيَعْتَرِض عَلَيْهِ مَنْ لَا شُعُور لَهُ بِهِ " انتهى ملخصا.
وقال العيني في العمدة:
" أراد به نوعين من العلم، وأراد بالأول: الذي حفظه من السنن المذاعة، لو كتبت لاحتمل أن يملأ منها وعاء، وبالثاني: ما كتمه من أخبار الفتن كذلك.
ويقال: حمل الوعاء الثاني على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء الجور وأحوالهم وذمهم " انتهى. "عمدة القاري" (3/ 364)
وقال القرطبي رحمه الله: " حُمل على ما يتعلق بالفتن من أسماء المنافقين ونحوه، أما كتمه عن غير أهله فمطلوب بل واجب " انتهى.
"التيسير بشرح الجامع الصغير" (2/ 852)
وقال ابن بطال رحمه الله:
" قال المهلب، وأبو الزناد: يعنى أنها كانت أحاديث أشراط الساعة، وما عرف به صلى الله عليه وسلم من فساد الدين، وتغيير الأحوال، والتضييع لحقوق الله تعالى، كقوله صلى الله عليه وسلم: (يكون فساد هذا الدين على يدى أغيلمة سفهاء من قريش)، وكان أبو هريرة يقول: لو شئت أن أسميهم بأسمائهم، فخشى على نفسه، فلم يُصَرِّح. وكذلك ينبغى لكل من أمر بمعروف إذا خاف على نفسه في التصريح أن يُعَرِّض. ولو كانت الأحاديث التي لم يحدث بها من الحلال والحرام ما وَسِعَهُ تركها، لأنه قال: " لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم، ثم يتلو: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى) البقرة / 159.
"شرح صحيح البخارى" لابن بطال (1/ 195).
وقال ابن الجوزي رحمه الله:
" ولقائل أن يقول: كيف استجاز كتم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال:
(بلغوا عني)؟ وكيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما إذا ذكر قتل راويه؟ وكيف يستجيز المسلمون من الصحابة الأخيار والتابعين قتل من يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فالجواب أن هذا الذي كتمه ليس من أمر الشريعة؛ فإنه لا يجوز كتمانها، وقد كان أبو هريرة يقول: " لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم " وهي قوله (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى) فكيف يظن به أن يكتم شيئا من الشريعة بعد هذه الآية، وبعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه؟ وقد كان يقول لهم: (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) وإنما هذا المكتوم مثل أن يقول: فلان منافق، وستقتلون عثمان، و (هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش) بنو فلان، فلو صرح بأسمائهم لكذبوه وقتلوه " انتهى.
"كشف المشكل من حديث الصحيحين" (ص / 1014)
فقد تبين أن الأحاديث التي ترك أبو هريرة رضي الله عنها نشرها وإذاعتها بين عموم الناس، ليست مما يتعلق بالحلال والحرام، ولا مما يترتب عليه عمل أو تكليف، وإنما هي أحاديث عن بعض الفتن، وأحوال الملوك والأمراء، مما لا ينبغي أن ينشغل به، أو يخوض فيه إلا خاصة أهل العلم والرأي.
وينظر إجابة السؤال رقم: (126377).
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب