قال فكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام مستهين به وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة ورغبتهم في الإسلام على القادر رغبتهم في
الصلاة فاعرف نفسك يا عبدالله واحذر أن تلقي الله ولا قدر للإسلام عندك فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصلاة في قلبك.
وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلاة عمود الدين" المقاصد الحسنة رقم ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا
بالأوتاد وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت بالطنب والأوتاد وكذلك الصلاة من الإسلام.
وجاء في الحديث "إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن تقبلت منه صلاته تقبل منه سائر عمله وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله" مجمع الزوائد
فصلاتنا آخر ديننا وهي أول ما نسأل عنه غدا من اعمالنا يوم القيامة فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام هذا كله كلام أحمد.
والصلاة أول فروض الإسلام وهي آخر ما يفقد من الدين فهي أول الإسلام وآخره فإذا ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه وكل شيء ذهب أوله وآخره فقد ذهب جميعه. قال
الإمام أحمد كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه، فإذا ذهبت صلاة المرء ذهب دينه والمقصود أن حديث عبدالله بن مسعود: "لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب
الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه". من أقوى الحجج في قتل تارك الصلاة.
"فصل"
في اختلاف القائلين بقتل تارك الصلاة واختلف القائلون بقتله في مسائل إحداها: أنه هل يستتاب أم لا فالمشهور أنه يستتاب فإن تاب ترك وإلا قتل هذا قول الشافعي وأحمد وأحد
القولين في مذهب مالك وقال أبو بكر الطرطوشي في تعليقه مذهب مالك أنه يقال له صل ما دام الوقت باقيا فإن فعل ترك وإن امتنع حتى خرج الوقت قتل وهل يستتاب أم لا قال
بعض اصحابنا يستتاب فإن تاب وإلا قتل وقال بعضهم لا يستتاب لأن هذا حد من الحدود يقام عليه فلا تسقطه التوبة كالزاني والسارق وهذا القول يلزم من قال يقتل حدا فإنه إذا
كان حده على ترك الصلاة القتل كان كمن حده القتل على الزنا والمحاربة والحدود تجب ولا تسقطها التوبة بعد الرفع إلى الإمام.
وأما من قال يقتل لكفره فلا يلزمه هذا لأنه جعله كالمرتد وإذا أسلم سقط عنه القتل قال الطرطوشي وهكذا حكم الطهارة والغسل من الجنابة والصيام عندنا فإذا قال لا أتوضأ ولا
أغتسل من الجنابة ولا أصوم قتل ولم يستتب سواء قال هي فرض علي أو جحد فرضها. قلت: هذا الذي حكاه الطرطوشي عن بعض اصحابه أنه يقتل استتابة هو رواية عن
مالك.
وفي استتابه المرتد روايتان عن أحمد وقولان للشافعي ومن فرق بين المرتد وبين تارك الصلاة في الاستتابة فاستتاب المرتد دون تارك الصلاة كإحدى الروايتين عن مالك يقول
الظاهر أن المسلم لا يترك دينه إلا لشبهة عرضت له تمنعه البقاء عليه فيستتاب رجاء زوالها والتارك للصلاة مع إقراره بوجوبها عليه لا مانع له فلا يمهل.
قال المستتيبون له: هذا قتل لترك واجب شرعت له الاستتابة فكانت واجبة كقتل الردة قالوا بل الاستتابة هاهنا أول ى لان احتمال رجوعه اقرب لأن التزامه للإسلام يحمله على
التوبة مما يخلصه في الدنيا والآخرة وهذا القول هو الصحيح لأن اسوأ أحواله أن يكون كالمرتد وقد اتفق الصحابة على قبول توبة المرتدين ومانعي الزكاة.
وقد قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وهذا يعم المرتد وغيره والفرق بين قتل هذا حدا وقتل الزاني والمحارب أن قتل تارك الصلاة إنما هو على
إصراره على الترك في المستقبل وعلى الترك في الماضي بخلاف المقتول في الحد فإن سبب قتله على الحد لأنه لم يبق له سبيل إلى تداركها وهذا له سبيل الاستدراك بفعلها بعد
خروج وقتها ثم الأئمة الأربعة وغيرهم ومن يقول من أصحاب أحمد لا سبيل له إلى الاستدراك كما هو قول طائفة من السلف يقول القتل ها هنا على ترك فيزول الترك بالفعل
فأما الزنا والمحاربة فالقتل فيهما على فعل والفعل الذي مضى لا يزول بالترك.
مقالات مختارة من كتب ابن القيم ( http://www.ibnalqayem.com/article/2-selected-articles.html)
ـ[السوادي]ــــــــ[29 - 03 - 10, 05:07 م]ـ
بارك الله فيك