[الصلاة خلف أهل الأهواء]
ـ[أبو خالد السلمي.]ــــــــ[08 - 04 - 03, 12:51 ص]ـ
سبق أن تناقش إخواننا من قبل في الائتمام بالإباضي وبالزيدي ونحوهما، فأحببت أن أنقل كلاماً ممتعا لشيخ الإسلام فيه ضوابط هذه المسألة، واستطرد شيخ الإسلام في ثناياه لمسألة العذر بالجهل والتأويل، وأنه لا فرق بين أصول الدين وفروعه في العذر بالجهل والتأويل، فكلاهما يعذر فيه الجاهل والمتأول، وبين أن التفرقة بين مسائل يعذر جاهلها ومسائل لا يعذر جاهلها تفريق مبتدع مأخوذ عن المعتزلة، وإليكم نص كلامه في مجموع الفتاوى:
قَالَ شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله:
فصل
وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، وخلف أهل الفجور، ففيه نزاع مشهور، وتفصيل ليس هذا موضع بسطه:
لكن أوسط الأقوال في هؤلاء: أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة لا يجوز مع القدرة على غيره. فإن من كان مظهراً للفجور أو البدع يجب الإنكار عليه ونهيه عن ذلك، وأقل مراتب الإنكار هجره لينتهي عن فجوره وبدعته؛ ولهذا فرق جمهور الأئمة بين الداعية وغير الداعية، فإن الداعية أظهر المنكر فاستحق الإنكار عليه، بخلاف الساكت، فإنه بمنزلة من أسر بالذنب، فهذا لا ينكر عليه في الظاهر، فإن الخطيئة إذا خفيت، لم تضر إلا صاحبها، ولكن إذا أعلنت، فلم تنكر، ضرت العامة؛ ولهذا كان المنافقون تقبل منهم علانيتهم، وتوكل سرائرهم إلى الله تعالي، بخلاف من أظهر الكفر.
/فإذا كان داعية منع من ولايته وإمامته وشهادته وروايته، لما في ذلك من النهي عن المنكر، لا لأجل فساد الصلاة أو اتهامه في شهادته وروايته، فإذا أمكن لإنسان ألا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة، وجب ذلك. لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة، أو كان هو لا يتمكن من صرفه إلا بشر أعظم ضررا من ضرر ما أظهره من المنكر، فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير، ولا دفع أخف الضررين بتحصيل أعظم الضررين، فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان. ومطلوبها ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعاً، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعاً.
فإذا لم يمكن منع المظهر للبدعة والفجور إلا بضرر زائد على ضرر إمامته، لم يجز ذلك، بل يصلي خلفه ما لا يمكنه فعلها إلا خلفه، كالجمع، والأعياد، والجماعة. إذا لم يكن هناك إمام غيره، ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج، والمختار بن أبي عبيد الثقفي، وغيرهما الجمعة والجماعة، فإن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بإمام فاجر، لاسيما إذا كان التخلف عنهما لا يدفع فجوره، فيبقي ترك المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة. ولهذا كان التاركون للجمعة والجماعات خلف أئمة الجور مطلقاً معدودين عند / السلف، والأئمة من أهل البدع.
وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر، فهو أولي من فعلها خلف الفاجر. وحينئذ، فإذا صلي خلف الفاجر من غير عذر، فهو موضع اجتهاد للعلماء.
منهم من قال: إنه يعيد لأنه فعل ما لا يشرع، بحيث ترك ما يجب عليه من الإنكار بصلاته خلف هذا، فكانت صلاته خلفه منهياً عنها فيعيدها.
ومنهم من قال: لا يعيد. قال: لأن الصلاة في نفسها صحيحة، وما ذكر من ترك الإنكار هو أمر منفصل عن الصلاة، وهو يشبه البيع بعد نداء الجمعة.
وأما إذا لم يمكنه الصلاة إلا خلفه كالجمعة، فهنا لا تعاد الصلاة، وإعادتها من فعل أهل البدع، وقد ظن طائفة من الفقهاء أنه إذا قيل: إن الصلاة خلف الفاسق لا تصح، أعيدت الجمعة خلفه، وإلا لم تعد، وليس كذلك. بل النزاع في الإعادة حيث ينهي الرجل عن الصلاة. فأما إذا أمر بالصلاة خلفه، فالصحيح هنا أنه لا إعادة عليه، لما تقدم من أن العبد لم يؤمر بالصلاة مرتين.
/وأما الصلاة خلف من يكفر ببدعته من أهل الأهواء، فهناك قد تنازعوا في نفس صلاة الجمعة خلفه. ومن قال: إنه يكفر أمر بالإعادة؛ لأنها صلاة خلف كافر، لكن هذه المسألة متعلقة بتكفير أهل الأهواء، والناس مضطربون في هذه المسألة. وقد حكي عن مالك فيها روايتان وعن الشافعي فيها قولان. وعن الإمام أحمد ـ أيضاً ـ فيها روايتان، وكذلك أهل الكلام فذكروا للأشعري فيها قولان. وغالب مذاهب الأئمة فيها تفصيل.
¥