ولا تغترّي بحب الرجل, فإن أكثر الرجال يحبون ليستمتعوا ثم يتملصوا ويتخلصوا, والمرأة تحب لتستمر وتُخلص. وهذا من نتائج الوضع الحيوي (البيولوجي) لكل من الذكر والأنثى, الإنسان في ذلك والحيوان سواء, عمله مؤقت وعملها دائم.
تذكّري مقالتي ((يا بنتي))؛ لقد طبعت أكثر من ثلاثين مرة, وفي كل مرة يطبع منها عشرات الآلاف وتوزع مجانًا ([2]) , وقد ضاق بها كثير من الشبان وغضبوا منها, ولكن غضبهم ذهب جفاء والرسالة بقيت في الأرض ولله وحده الحمد.
لقد كتبتها حين كنت في عشر الخمسين من العمر, وأنا اليوم في عشر السبعين, ولكني لا أزال مقتنعًا بكل ما جاء فيها.
@ @ @
والإسلام لا يحارب الغرائز ولا يقول لنا: ((اقتلوها)) , لأن الذي غرزها في النفوس وفطرها عليها هو الله, والذي أنزل الإسلام هو الله. فالإسلام ليس فيه رهبانية, ولكن ليس فيه أيضًا إباحية. إنه لا يقول لنا: قفوا في وجه السيل إذا أقبل! فإننا لا نستطيع أن نقف في وجه السيل, ولكن يقول: أعدّوا له مجرى آمنًا يجري فيه, فلا يجرف البيوت ولا يذهب بساكنيها.
والإسلام لا يمنع شيئًا يحتاج إليه الناس ولا يحرّمه إلا أحلّ ما يقوم مقامه ويغني عنه؛ فهو قد حرّم الاتصال الناقص والاتصال الكامل غير المثمر, لأن المقصد من هذه الشهوة بقاء النوع, كما أن المقصد من الجوع بقاء الفرد. أما الاتصال الناقص, وهو النظر إلى جسد المرأة الأجنبية (ولو كانت زميلة أو سكرتيرة, أو خادمة في البيت, أو طالبة في الجامعة, أو موظفة في الحكومة) ولمسه والخلوة بالمرأة وأمثال ذلك فإنه حرام, لأنه يصرف عن المقصود الأول وهو بقاء النوع.
وأوضّح الأمر بمثال. أكثر الأسر تشكو من انصراف أولادها عن الطعام, فإذا حضر الغداء لم يقبلوا عليه ولم يصيبوا حاجتهم منه, وما يعقب ذلك من سوء صحتهم وهزال أجسادهم. فما السبب فيه؟ السبب أن الولد أكل قبل الغداء بنصف ساعة كفّ شكلاطة, وقبل ذلك قطعة سكر, وقبله تفاحة, فلا هو شبع بذلك وتغذّى ولا هو استبقى شهيته كاملة للغداء. هذا مثال ((الاتصال الناقص)) (كما سمّيته).
وقد خطر لي خاطر في حكمة ستر العورة. ذلك إني فكرت: لماذا شرع الله ستر العورة؟ وكل حكم في الشرع له حكمة.
فوجدت أن اليد خُلقت للأخذ والعطاء والتحية والمصافحة, فلو قيّد الناس أيديهم لبطلت أعمالهم. والوجه لتعرف به الناس ويعرفوك به, وتراهم ويروك, وتسمعهم وتسمع منهم. أما ما بين السرّة والركبة فلا يصلح إلا لأحد أمرين: قضاء حاجة المرء في المرحاض, وحاجة الأزواج في المخدع. وعمل المرحاض لك وحدك, لا تدعو معك ضيوفًا ولا تُشهد عليه شهودًا, والزوجان في خلوتهما لا يسمحان لأحد بمشاهدتهما, لذلك كانت هذه المنطقة من الجسد منطقة حرامًا لأنه لا حاجة لأحد بها, ولأن إظهارها يذكّر بما خلقت له ويدعو إليه, فيكون ذريعة للوقوع في الفاحشة.
@ @ @
أما جريدة ((الرأي العام)) فلم أرها ولم أسمع بها, ولكن أعرف أن الرأي العام لا يكون الحق دائمًا معه؛ فالرأي العام في مكة إبّان البعثة كان يقرر أن اللات والعُزّى آلهة تُعبَد, والرأي العام كان يقول يومًا إن الأرض مسطَّحة كالصفحة.
فلا تتخذوا الرأي العام حجة ولا الأكثرية دليلا قاطعًا, فكثيرًا ما يكون الحق مع القلّة. ولو كان في المستشفى ثلاثة جراحين مختصين قرروا إجراء عملية عاجلة للمريض, وقررت الأكثرية في المستشفى المؤلفة من ثلاثين من الممرضات والممرضين والخدم والفرّاشين تأجيل العملية, هل نأخذ برأي الكثرة ونقول إنه ((الرأي العام)) , أم نأخذ بقول الأطباء الثلاثة؟
ولو قرر ربان الطّيارة ومساعده الهبوط بها لخلل طرأ عليها أو نقص في وقودها, وأجمع الرأي العام للركاب الثمانين على الاستمرار في الطيران, هل نأخذ برأي الثمانين أم بقرار الاثنين؟
كلا ليس الرأي العام مقياس الحق, ولا حكم الأكثرية, بل حكم الشرع وحكم العقل. والعقل والشرع صنوان لا يفترقان, ما في الشرع قضية قطعية تنافي قضية عقلية قطعية. ولكن يظهر أن بعض من يدّعي الكلام باسم ((الرأي العام)) يخالف الشرع والعقل معًا.
ومخالف العقل يقال له في اللغة ((مجنون)) , فهل تريدون منا أن نناقش مجانين؟
@ @ @
¥