3/ رواية أبي عوانة في مستخرجه. قال: (تفضل بخمس وعشرين درجة)، راويها ثقة حافظ. الذي انفرد بها هو أبو أسامة حمّاد بن أسامة القرشي مولاهم وهو ثقة حافظ، والرجال مقبولون، إذاً روايته شاذة، لأن الرواية الشاذة هي: رواية المقبول مخالفاً لمن هو أقوى منه.
لماذا حكمنا عليها بالشذوذ؟ لأنه وإن كان ثقة مقبولاً من رجال الجماعة إلا أنه خالف من هو أقوى منه، مع اتحاد المخرج، فهو خالف مالك و، وخالف أيضاً عن عبيدالله وهو ثقة في الصحيح. مما يدل على أن روايته شاذة وإن كان ثقة.
4/ قال (بضعاً وعشرين). خالفت هذه الرواية من حيث اللفظ، ولم تخالف من حيث المعنى، لأن البضع ما بين الثلاثة إلى التسعة، فتصدق على سبع وعشرين، ولذا أُخرجت في الصحيح.
5/ نافع: هذا يُسمى مدار الحديث. ما المدار؟ المدار هو الرواي الذي تلتقي فيه الطرق، والمدار هو المؤثر في الحكم. ولذا لا بد أن يُعرف المدار هل فيه من الثقة والإتقان ما يُقبل به تفرده، وهل تُوبع أو لا؟ وهل اختُلف عليه أو لا؟ وكيف اختلف عليه؟ رفعاً ووقفاً ووصلاً وإرسالاً. وأيهما أقوى؟ وما هي المُرجحات؟ وغيرها.ثم إذا تُوبع، هل المتابع له معتبر به أو لا؟ وهل هو ثقة أو لا؟ هذه أمور تأتي عند الحكم على الحديث إن شاء الله.
6/ مالك: لو رجعنا إلى الأصول يقول عن عبدالله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر. مالك، الضحاك، عبدالله، عبيدالله ... وغيرها، هذا يُسمى في الكتب الأصلية مُهملاً. ما معنى مُهمل؟ أي لم يُنسب. لم يقل مالك بن أنس الأصبُحي، ولا قال عبدالله بن عمر بن الخطاب، فهذا يُسمونه مُهملاً، والإهمال قد يكون مؤثراً وقد يكون سهلاً، فإذا كان ليس في طبقته من يُشاركه، فإنه لا يُؤثر. لكن المُشكلة إذا كان في طبقته من يُشاركه في الاسم، ويُشاركه في الشيوخ والتلاميذ واختلفا في القوة، فأحدهما ثقة والآخر ضعيف، هنا يكون للإهمال وضعه. فنقول متى يكون الإهمال مؤثراً؟ إذا كان له مُشارك في الطبقة بحيث يتفقان في الرواية عن الشيوخ ويتفقان في الرواية عن التلاميذ ثم اختلفا في الثقة وعدمها، فهنا يُصبح الأمر شائكاً.
مثال: سفيان بن عُيينة وسفيان الثوري. وحمّاد بن زيد بن درهم وحمّاد بن سلمة بن دينار البصري، كلهم اشتركوا في الشيوخ واشتركوا في التلاميذ واتحدوا في الاسم. بالنسبة لسفيان بن عُيينة وسفيان الثوري الأمر سهل، لأن كل واحد منهما فيه من القوة والإمامة ما إذا عددت أحدهما فالأمر يسير. لكن حمّاد بن زيد وحمّاد بن سلمة هنا المشكلة، فحمّاد بن زيد أقوى من حماد بن سلمة، ولذا لم يُعرّج البخاري على حمّاد بن سلمة ولم يخرج عنه، بينما أكثر من رواية حمّاد بن زيد.
ومسلم أخرج للحمّادين معاً. وإن كان عنده تحفّظ على حمّاد بن سلمة، ولذا أخرج عنه خاصة في ثابت البُناني، وأخرج عنه يسيراً في غير ثابت البُناني. إذاً هما من حيث القوة مُتساويين أو لا؟ لا. وإن كان يجمعهم قاسم مشترك وهو القبول المطلق، لكن حمّاد بن زيد أقوى من حمّاد بن سلمة.
ولك أن تتصور عمرو بن دينار البصري إمام و عمرو بن دينار مولى آل الزبير ضعيف. وكلهم يُقال له عمرو بن دينار، فكيف تعرف عند الإهمال الراوي بعينه؟ يُعرف المهمل من خلال الطبقة والشيوخ والتلاميذ، وذلك إما أن يكون أحدهما أعلى طبقة والثاني أنزل، وهذا الأمر فيه سهل. وإما أن يكون أحد التلاميذ له مزية في أحد المتفقين، بأن يكون أكثر ملازمة له فإذا أطلَقَ فمن له مزية أراد الراوي الذي له مزية فيه، فإن كان مُلازماً لسفيان الثوري، فإنه إذا أطلق فإنه يُريد به الثوري. وإذا كان مُلازماً لسفيان بن عُيينة فإذا أطلق أراده، وإذا أراد غيره بيّن.
سفيان الثوري أكبر، فإن كان الراوي من كبار الطبقة عرفنا أنه إذا روى وأطلق فإنه أراد سفيان الثوري، وإن كان من صغار الطبقة فإنه إن روى وأطلق فالمراد به ابن عُيينة.
ولقد وضّح ثلاثة أئمة في ثلاثة كتب القاعدة عند الاشتراك والاشتباه في الرجل المهمل، أولهم الذهبي في آخر المجلد السابع من السير، وكذلك السبكي في المجلّد العاشر من طبقات الشافعية، وكذلك ابن حجر في مقدمة البخاري هدي الساري، فقد بيّنوا الضوابط في تعيين المهمل.
¥