تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

جاء عن ابن عباس، في تفسير ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا أنها أصنام قوم نوح، أن هذه الأصنام التي هي أصنام قوم نوح، قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصابا، لاحظ أنها أنصاب وسموهم بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت، نسخ العلم النسخ: هو تبديل الشيء بغيره، والمراد هنا تبديل علم سبب نصب هذه الصور من تذكر أحوالهم إلى عبادتهم، فظنت الأجيال التي أتت بعدهم أنهم إنما نصبوا هذه الأنصاب لأجل عبادتها فعبدوها من دون الله.

لكن لاحظ هنا أن الذي ذكر في حديث ابن عباس أنهم نصبوا أنصابا، والأنصاب: هي جمع نصب وهو ما ينصب من عصا أو حجر أو غيرها، فهي مجرد أحجار منصوبة فقط، فليست صورا على المعنى المعروف، هي مجرد أحجار منصوبة، ومنه قول الله -عز وجل::ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) قال ابن عباس ومجاهد وعطاء: الأنصاب هي حجارة كانوا يذبحون قرابينهم عندها.

فإذا الأنصاب التي نصبت لأولئك الصالحين ليست صورا بالمعنى الشرعي، ولكنها حجارة، وسميت هذه الحجارة باسم فلان وهذه باسم فلان وهذه باسم فلان، حتى إذا انقرض هذا الجيل وأتى جيل بعده، لم يعرفوا السبب الذي لأجله نصبت هذه الحجارة، فظنوا أنهم عبدوها، ظنوا أنهم كانوا يعبدونها من دون الله فوقعت عبادة الأصنام من دون الله تعالى، وحينئذ نقول: إن هذه العلة يعني ليست علة ظاهرة للتصوير، لأن كل ما يؤدي إلى الغلو يكون محرما وإن كان ليس تصويرا، كل ما أدى إلى الغلو والتعظيم من دون الله يكون ممنوعا وإن لم يكن تصويرا، ولذلك فإن العلة المنصوص عليها هي علة المضاهاة فننظر الآن إلى هذه العلة هل هي منطبقة في التصوير الفوتوغرافي، أو أنها غير منطبقة، المضاهاة معناها المحاكاة والمشابهة، والواقع أن التصوير الفوتوغرافي الذي شرحنا كيفيته ليس فيه محاكاة ولا مشابهة، وإنما فيه تسليط للأشعة على الجسم المراد تصويره، فتنبعث من هذا الجسم أشعة ثم تلتقط من قبل عدسة التصوير، وتثبت بطريقة كيميائية، هذه الصورة الحقيقية التي خلقها الله -عز وجل- فهي ليس فيها مضاهاة في الواقع، وإنما فيها نقل للصورة الحقيقية التي خلقها الله عز وجل، ولهذا كان الناس قديما هنا في المملكة لا يسمونها صورة، وإنما يسمونها عكس ويسمون الصور عكوسا، ولهذا بعضهم يقول: إن هذا هو الاسم الصحيح لها إنها عكس وليست صورة، عكس للصورة الحقيقية التي خلقها الله عز وجل.

وهذا هو القول الراجح والله أعلم في هذه المسألة، أن هذا النوع من التصوير التصوير الآلي بأنواعه لا يدخل في التصوير المحرم شرعا، وأما ما ذكره أصحاب القول الأول من أدلة، فهي ترجع إلى ثلاثة:

أولا: قولهم إنها تسمى صورة لغة وشرعا وعرفا، هذا محل نظر، نقول أولا: كونها تسمى صورة لغة، الصورة مدلولها اللغوي واسع؛ فإنها تطلق على كل هيئة وشكل، وأما شرعا: فتسميتها بصورة بالمعنى الشرعي محل نظر، وتسميتها عرفا كما ذكرنا تسمية غير دقيقة، وتسمية الأشياء بغير مسماها الحقيقي لا ينقل الحكم، ولا يؤثر في الحكم، ولهذا لو أن الناس سموا الخمر لو سموه تسمية أخرى كأن سموه مثلا الخمر مشروبا روحيا فهل معنى ذلك أن الخمر لا يكون محرما؟ أبدا بل إنه جاء في سنن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (ليكونن من أمتي أقوام يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها) فلو سمى الناس الخمر بغير اسمه لا ينقله هذا من حكم التحريم، ولو سمى الزنا بغير اسمه لا ينقله من حكم التحريم.

فتسميتها صورة، هذا ليس مبررا للقول بتحريمها، ولهذا فإن صورة الإنسان في المرآة تسمى صورة، وينظر يقال: نظر الإنسان إلى صورته في المرآة، هل معنى ذلك أن صورة الإنسان في المرآة محرمة لكونها تسمى صورة؟ أبدا لم يقل بهذا أحد من أهل العلم، فنقول: إن تسميتها صورة من باب التجوز في العبارة، وإلا فإنها عكس، وتسميتها صورة لا ينقل، لا يؤثر في الحكم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير