لن تضيقَ أرضٌ على عبدٍ اتَّقى الله، ولن يضيقَ عيشٌ على عبْدٍ عرفَ مَوْلاه؛ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2 - 3]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4].
يا مَن يرجو نوالَ البركات، أمامك بابُ الاستغفار، فرطِّبْ لسانَك به في الخلوات والجلوات.
اصْدُق مع الله في استغفارِك وإنابتك، وحرِّك قلبك نَدَمًا مع كلِّ استغفارةٍ تخرج مِن لسانك، وسترى حينَها وبعدَها بركةَ اللهِ عليك.
واقرأْ - إن شئتَ - قول المولى - جلَّ جلالُه -: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12].
معاشر المؤمنين:
كتابُ اللهِ هو حبلُ اللهِ المتين، ونورُه المبين، أَنْزَلَه اللهُ رحمةً وهدى، وشفاءً ونورًا؛ {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: 155].
واللهِ، إنَّ العبدَ ليرى بركة هذا الكتاب ظاهرةً في حياته، في انشراحِ صدره، ولَمِّ شَمْلِه، وتوفيقِه في عمله، وتيسيرِ أموره، وذلك شيءٌ مِن بركاتِ القرآنِ في هذه الدنيا، وما عند اللهِ خيرٌ وأبقى؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((اقرؤوا القرآنَ، فإنه يأتِي يومَ القيامِة شفيعًا لأصحابه))، وقال أيضًا: ((اقرؤوا البقرة؛ فإنَّ أخْذها بركة، وتَرْكها حسْرة، ولا تستطيعها البَطَلة - أي: السحرة)).
عباد الله:
ومِن أبوابِ الطاعات التي تُسْتمطر معها البركاتُ:
صلةُ الأرحام؛ قال مَن لا ينطق عنِ الهوى: ((مَن أحبَّ أن يُبسطَ له في رِزْقِه، ويُنسأ له في أثرهِ، فلْيصلْ رَحِمه))؛ متَّفق عليه. وقال أيضًا: ((تعلَّموا مِن أنسابِكم ما تصلون به أرحامَكم؛ فإنَّ صلَة الرَّحِم محبَّةٌ في الأهل، مثراةٌ في المال، منسأةٌ في الأثر))؛ رواه الإمام أحمد، وغيرُه، وهو حديثٌ حَسَن.
فيا مَن يرجو نوالَ الدنيا، وعطاء الآخرة، تحسسْ أقاربك بزيارتهم، والتودُّد إليهم، غُضَّ الطَّرف عن جفاءِ مَن جافاك، وقابلْ إساءَةَ مَن أساء بالعفْو والإحسان، وكنْ أنت المُبادرَ بالوَصْل، إذا قُطِعتْ منك الرَّحِمُ، واعلمْ وتيقَّن أنك على خيرٍ وإلى خير؛ {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 35].
يا مَن يرجو بركةَ المال، ويَتطلَّع لنماء وثراء، كُن مع البُطُون الجائعة، والأبدان السَّقيمة، وكن مع الأراملِ والأيتام، يَكُنِ اللهُ معك، ويُباركْ لك في مالك، واسمعْ إلى مقال نبيِّك: ((ما نقصتْ صدقة مِن مال))؛ رواه مسلم، وأخبرنا نبيُّنا عن ربِّنا، أنه قال: ((أنفِق يا ابن آدم، أُنفِق عليك))؛ متفق عليه.
إخوة الإيمان:
ومن أسبابِ حصولِ البركةِ في المال:
السعيُّ في الأرض بالتكسُّب الحلال، والعمل المباح ليبنيَ المرءُ بعد ذلك نفسه ومستقبله من مالٍ مُبَاركٍ حلال؛ يُسأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الكسْب أطيب؟ قال: ((عملُ الرجلِ بيده، وكلُّ بيعٍ مبرور))؛ رواه الإمام أحمد، والبَزَّار وغيرهما، وهو حديث حَسَن.
هذا المالُ يُبارَك لصاحِبه إذا أَخَذَه، وهو صادق في تجارته، واضحٌ في تكسُّبه؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: ((البَيِّعانِ بالخيار ما لم يَتَفَرَّقا؛ فإن صدقا وبيَّنا، بورِكَ لهما في بيعهما، وإن كَذَبا وكتما، مُحِقَتْ بركة بيعهما))؛ متفق عليه، وعند ابن حبَّان، وأصلُه في مسلم: ((اليمينُ الكاذبة منفقة للسلعة، مَمْحَقَةٌ للكسْب)).
عباد الله:
ومِن أعظمِ وأهمِّ ما نستجلب به البركاتِ:
دُعاءُ اللهِ - عز وجل - وسؤاله البركة؛ فابتهلْ إلى رَبِّك بنداء خفيٍّ أن يُباركَ لك في عمركَ وعملكَ ومالكَ، وأن يوفقكَ للبركة أينما حللت وارتحلت؛ فقد كان من دعاء قُدوتنا - صلى الله عليه وسلم - في وترِه: ((وباركْ لي فيما أعطيتَ)).
ومن كلماتِه – عليه الصلاة السلام - في دعاءِ الاستخارة: ((ثمَّ بارِك لي فيه)).
وعَلَّمَنَا أن ندعوَ بالبركة في أمورٍ كثيرة؛ منها:
الدعاءُ للمتزوِّج، والدُّعاءُ لِمن أطعَم الطعام، وعند الطعام، وكان يؤتَى إليه بالأطفال فيحنِّكهم، ويدعو لهم بالبركة.
إخوة الإيمان:
¥