وقد كان العقلاء من أعدائه يعرفون هذا ويعترفون به في مجالسهم، قال قائلهم: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْش، قَدْ كَانَ مُحَمّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتّى إذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشّيْبَ وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ قُلْتُمْ: سَاحِرٌ، لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ. وَقُلْتُم: ْ كَاهِنٌ، لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ. وَقُلْتُم: ْ شَاعِرٌ، لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ. وَقُلْتُمْ: مَجْنُون، ٌ لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ).
فكل من تكلم بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تكلم من عند نفسه، لا دليل له على ما يقول وإنما يتكلم من رأسه أو يتكلم بكلامٍ ينقله عن نصارى مثله، فمَرَدُّ هذا الأمر إلى يوحنا الدمشقي، وتناقلوه فيما بينهم إلى أن جاء إلى بطرس ومرقص فتحدثوا به في الفضائيات.
إن كل المعادين للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بضاعتهم الكذب، قريش تكلمت بالكذب هي الأخرى قالت علمه بشر وسمت غلاماً أعجمياً لا يحسن التحدث بالعربية. وأسأل: هل رأت قريش هذا الغلام وهو يعلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟!
أبداً. بل قول يقولونه من عند أنفسهم يدفعون به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قد كان هذا الغلام أعجمي لا يتحدث العربية والقرآن الكريم عربي مبين، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} النحل103.
ومرة قالوا أساطير الأولين {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفرقان5، وقال تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} القلم15. (ويوحنا الدمشقي)، والذين جاءوا بعده إلى بطرس ومرقص الموجودين في الفضائيات اليوم، قالوا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نقل عن كتابات الأولين، يعنون كتابهم بعهده القديم والحديث، ويعنون الديانات السابقة، وكأن القرآن خصوصاً والإسلام عموماً تجميع من هنا وهناك.!!
وكلهم كاذبون. . كلهم يقدمون الكذب.
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يجلس لأحد ويتعلم منه، ولم يقع على صحفٍ مكتوبة أو كتبت له وقرأ منها، فقد كان أميَّاً ـ صلى لله عليه وسلم ـ وكان بينهم يعرفون حاله جيداً.
والقرآن الكريم لا علاقة له بما في كتاب النصارى بعهديه القديم والحديث، ولا بما في يد غيرهم من البوذيين والصابئة، ليس ثمة تشابه. فحديث القرآن عن الله ـ سبحانه وتعالى وعز وجل ليس كحديث هؤلاء عن الله سبحانه وتعالى وعز وجل، وحديث القرآن عن أنبياء الله ـ عليهم السلام ـ ليس كحديث كتاب النصارى عن أنبياء الله، إنهم يتكلمون بقبيح من القول عن أنبياء الله، والقرآن ينزههم، وحديث القرآن عن الجنة والنار .. دار الثواب ودار العقاب ليس كحديث هؤلاء عن دار الثواب والعقاب لا بكثير ولا بقليل، هذا من ناحية الموضوع، ولا تقاطع من ناحية الأسلوب أيضاً فالقرآن الكريم بلسانٍ عربي مبين، معجز في بيانه .. أعجز البلغاء من العرب، وكتبهم ركيكة إن قرأتها بالعربية أو بالإنجليزية أو حتى باليونانية، ونأتي على شيءٍ من هذا بعد قليل إن شاء الله. ومن ينظر في سياق الدعوة على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أنها كانت تقف بوجه هؤلاء جميعهم، كانت تدعوهم كلهم إلى دين الله الإسلام، وتصفهم جميعاً بأنهم على خطئٍ عظيم. فلم تكن حالة من الاقتباس والنقل، ولا حالة من الغش بل حالة من النقض للآخر، حالة شهد لها كل من عرفها بأنها لم تتصل بأحدٍ من البشر تتعلم منه.
والقرآن الكريم يحمل شواهداً على أنه تنزيل رب العالمين، على أنه من لدن حكيمٍ حميد، على أنه ما تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون، على أنه من عند من يعلم السر وأخفى.
فيه حديث عن غيب، والبشر لا يعرفون الغيب، وفيه حديث عن أمورٍ علمية (ما يعرف بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم) لم يعرفها البشر إلا من قريب، وهو قبل ذلك معجز بلفظه، يحمل روحاً في كلماته تأخذ بمن يستمع إليه.
¥