كمن يلجأ إلى الدخان يظن أنه يخفف عنه مصابه وأنه يجلو همه وغمه ويُذهب حزنه ويخفف آلامه، وربما لجأ إلى الغناء والفجور والمجون والفسوق يظن أنه يخفف مصابه ويزيل همه وغمه، وربما لجأ إلى الخمور والمسكرات والمخدرات و ( ... ) ويظن أن ذلك يخفف مصابه ويجلو همه وغمه، وربما لجأ إلى فعل المحرمات الأخرى يتسلى بها ويقضي بها أوقاته ويظن أن ذلك هو طريق الخلاص، وأظنني أوردت على مسامعكم ذات يومٍ صاحب السؤال الذي جاءني يومًا ما وقال: إنه يجد كثيرًا من الهموم والغموم و من ذلك أنه يعني تزوج فجاءه الأولاد وأم الأولاد وغلَّقوا عليه الأبواب وخنقوه وفعلوا فيه ما فعلوا فكان من قصته أنه ذهب يتداوى في مرقص، وفي مكانٍ يُشهر فيه الخنى والفجور، يقول: وأخذت أسبوعًا فما ازددت إلا سوءًا.
قلت له: يا مسكين! كم بينك وبين مكة؟ ألا ذهبت إلى مكة وأتيت بعمرةٍ وشربت من زمزم؟ ألا تلوت كتاب الله جل وعلا؟ ألا دعوت ربك ولجأت إليه مادمت بهذا الضعف؟ ألا لجأت إلى ربك وخلوت تخاطب نفسك؟ ألا قمت آخر الليل عندما ينزل سبحانه وتبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فينادي عباده حينما يبقى الثلث الأخير من الليل: من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فاستحيب له؟ من يستغفرني فاغفر له؟ بدلًا من أن تداوي الداء بالداء، تلجأ إلى المراقص وإلى بيوت الخنى والفجور تظن أنها تخفف عنك آلامك وأنها تُذهِب أحزانك وهمومك وأنها تُقربك إلى الناس وتجعلك تعيش في عالمٍ آخر؟؟؟؟؟!!!
إنها لا تزيدك إلا وهنًا، ولا تزيدك إلا مرضًا، ولا تزيدك إلا همًا على هم، وغمًا على غم.
ألا لجأت إلى فارج الكروب لتظفر بالمطلوب؟
ألا لجأت إلى من يناديك ويدعوك: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} - (البقرة: 186)؟
ألا لجأت إلى علَّام الغيوب الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين؟
ألا بثثت همك وحزنك إليه كما بثَّ يعقوب عليه السلام حزن وبثَّ همه وشكى أمره إلى ربه تبارك وتعالى حتى جعل الله له من كل همٍ فرجًا ومن كل ضيقً مخرجًا؟
ألا تلجأ إلى من لجأ إليه يونس عليه السلام عندما كان في الظلمات الثلاث في بطن الحوت وفي وسط البحر وفي الظلام ثم قال: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين؛ فأخرجه الله عز وجل من بطن الحوت وأنبت عليه تلك الشجة من اليقطين وجعله يكبر، ويجعله ينشأ شيئًا فشيئًا حتى رد الله عليه عافيته وأرسله إلى مئة ألفٍ أو يزيدون؟
ألا لجأت إلى هازم الأحزاب ومنشئ السحاب ومنزل الكتاب؟
ألا لجأت إلى من يناديك صباح مساء: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} - (غافر: 60)؟
ألا تلجأ إلى من هو أرحم بك من نفسك؟
ألا تلجأ إلى من يعطي الكثير ويهب الجزيل؟
ألا تلجأ إلى من ينادي عباده في كل يوم ويدعوهم إلى التوبة والمغفرة والاستغفار؟
ألا تلجأ إلى من يدعوك إلى طريق الهدى والصلاح فتسلكه فتنجو في الدنيا والآخرة؟
أم أنك كلما ضاقت عليك الأرض بما رحبت لجأت إلى معالجة الداء بالداء؟
إن الأمر جد خطيرٍ يا عبد الله! هل يلجأ المرء إلى عدوه لينصره؟
هل يلجأ أحد إلى الشيطان من أجل أن يصبره؟
إن البيوت تغص بهؤلاء الذين تصيبهم الحالات النفسية والاضطرابات العصبية والجنون وضعف العقل أو فقده، كل ذلك مردُّه إلى ضعف الالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} - (الأعراف: 96)،
كيف تترك الدواء وهو في متناول يدك يا عبد الله؟
كيف تترك الدواء وهو قريب منك ولا يكلفك أثمانًا باهظة ولا مستشفيات ولا صيدليات؟
أنا لا أقول لك إنك لا تتداوى، ولكن تداوى بما أباح الله لك، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتداوي، ولكن نهانا أن نتداوى بما حرم علينا، فالدواء موجودٌ لمن أرداه.
ومن ألوان الأدوية التي هي في متناول اليد يا عبد الله:
¥