تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يشكو الكثيرُ من القلق النفسي بسبب هذه الدنيا وحُطامها الزائل ومفاتنها الزائلة، يشكو فقرًا أو ضيق حالٍ أو مشاكل أسريةٍ وفسادٍ في الأموال والأولاد وخسارةٌ تتلوها خسارة في أمور الدنيا الزائلة، ومشاكل الأسهم والبورصة وما إلى ذلك مما قد يشكو منه الكثير

ولكن المصيبة أن البعض لا يستعمل الدواء، يعرف الداء وربما عرف الدواء أيضًا، فيترك استعمال هذا الدواء أو يستعمل الداء بدلًا من أن يستعمل الدواء، ويظن أن هذا الداء الذي لجأ إليه يُفرِّج عنه همه، ويُنفِّث عنه كربته، ويخفف عنه مصابه، فيظل في دوامةٍ من داءٍ أصابه إلى داءٍ يظن أنه يكشف ما به إلى داءٍ آخر فتتكاثر الأدواء وتعظم الهموم وتضيق الأحوال من سئٍ إلى أسوأ.

هل قام هذا الذي ابتُلي بتلك الهموم والغموم بما يرفع الله به ويجعل الله له به من كل همٍ فرجًا ومن كل ضيقٍ مخرجًا ومن كل بلاءٍ عافية؟ أم أنه ينطبق عليه قول القائل:

ومن العجائبِ والعجائبُ جمةًٌ ... قربُ الحبيبِ وما إليه وصولُ

كالعيسِ في البيداءِ يقتلها الظما ... والماءُ فوقَ ظهورها محمولُ

نعم .. إنه كذلك، كالعيسِ في البيداء يقتلها الظما، العيس هي: الإبل تسير في الصحراء وتموت عطشًا وربما كان الماء على ظهورها محمولًا في قِرب الماء أو في أواني الماء، كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهروها محمول.

إن العلاج في متناول يدك يا عبد الله، إن الدواء موجودٌ لمن أراد أن يتداوى به، إن الدواء واضحٌ لمن أراد الدواء الشافي ولجأ إلى الله الكافي الشافي، إنه واضحٌ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، أما من تغافل وتغابى فلن يجد الدواء، وسوف تظلم في وجهه الدنيا، وتضيق أحواله، وتنحدر إلى ما هو أصعب؛ ذلك أنه لم يستعمل الدواء الذي به يُفرِّج الله الكُربات ويقيل العثرات ويمحو السيئات ويرفع الدرجات ويضاعف الحسنات ويقرب من رب الأرض والسماوات غير أن الكثير من الناس لا يريد هذا الدواء وإن كان في متناول يد، بل تجده -والعياذ بالله- يعالج الداء بالداء،

فربما لجأ إلى بعض المحرمات

كمن يلجأ إلى الدخان يظن أنه يخفف عنه مصابه وأنه يجلو همه وغمه ويُذهب حزنه ويخفف آلامه، وربما لجأ إلى الغناء والفجور والمجون والفسوق يظن أنه يخفف مصابه ويزيل همه وغمه، وربما لجأ إلى الخمور والمسكرات والمخدرات و ( ... ) ويظن أن ذلك يخفف مصابه ويجلو همه وغمه، وربما لجأ إلى فعل المحرمات الأخرى يتسلى بها ويقضي بها أوقاته ويظن أن ذلك هو طريق الخلاص، وأظنني أوردت على مسامعكم ذات يومٍ صاحب السؤال الذي جاءني يومًا ما وقال: إنه يجد كثيرًا من الهموم والغموم و من ذلك أنه يعني تزوج فجاءه الأولاد وأم الأولاد وغلَّقوا عليه الأبواب وخنقوه وفعلوا فيه ما فعلوا فكان من قصته أنه ذهب يتداوى في مرقص، وفي مكانٍ يُشهر فيه الخنى والفجور، يقول: وأخذت أسبوعًا فما ازددت إلا سوءًا.

قلت له: يا مسكين! كم بينك وبين مكة؟ ألا ذهبت إلى مكة وأتيت بعمرةٍ وشربت من زمزم؟ ألا تلوت كتاب الله جل وعلا؟ ألا دعوت ربك ولجأت إليه مادمت بهذا الضعف؟ ألا لجأت إلى ربك وخلوت تخاطب نفسك؟ ألا قمت آخر الليل عندما ينزل سبحانه وتبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فينادي عباده حينما يبقى الثلث الأخير من الليل: من يسألني فأعطيه؟ من يدعوني فاستحيب له؟ من يستغفرني فاغفر له؟ بدلًا من أن تداوي الداء بالداء، تلجأ إلى المراقص وإلى بيوت الخنى والفجور تظن أنها تخفف عنك آلامك وأنها تُذهِب أحزانك وهمومك وأنها تُقربك إلى الناس وتجعلك تعيش في عالمٍ آخر؟؟؟؟؟!!!

إنها لا تزيدك إلا وهنًا، ولا تزيدك إلا مرضًا، ولا تزيدك إلا همًا على هم، وغمًا على غم.

ألا لجأت إلى فارج الكروب لتظفر بالمطلوب؟

ألا لجأت إلى من يناديك ويدعوك: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} - (البقرة: 186)؟

ألا لجأت إلى علَّام الغيوب الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين؟

ألا بثثت همك وحزنك إليه كما بثَّ يعقوب عليه السلام حزن وبثَّ همه وشكى أمره إلى ربه تبارك وتعالى حتى جعل الله له من كل همٍ فرجًا ومن كل ضيقً مخرجًا؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير