تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[- حرب المصطلحات -]

ـ[عبدالله الوائلي]ــــــــ[12 - 04 - 10, 03:41 م]ـ

? بسم الله الرحمن الرحيم ?

من الخطأ تصور انحصار المعارك والحروب بيننا وبين أعدائنا في ساحات القتال ومواطن النزال وحدها.

وإن كانت هذه الصورة مدرَكة يستشعرها كل مسلم، كما أنها تعد أبرز صور التعبير عن العداوة بين المؤمنين والكافرين، ولهذا كان الجهاد ذروة سنام الإسلام، لأنه يعبر تعبيرا حقيقيا واقعيا صريحا عن أوثق عرى الإيمان بشقيه؛ الحب في الله والبغض في الله، بحيث لا يبقى مجال للشك في صدق ولاء المجاهد لله ولحزبه المؤمنين، كما لا تتقبل العقول أن يكون في قلبه مثقال ذرة من حب أو ميل للكافرين.

فأقوى صور التعبير عن الحب والموالاة؛ هي أن يقدم الحبيب دمه ونفسه وماله ويسترخص كل غال طمعا في نيل رضا محبوبه، وتعبيرا عن شوقه إليه، فالجود بالنفس أقصى غاية الجود، وفي المقابل فإن أنصع صور الترجمة العملية عن العداوة والبراءة من الأعداء؛ هي تقديم المهج والأموال من أجل دفعهم وكسر شوكتهم واستباحة دمائهم وأموالهم، ولهذا قال الله تعالى: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}.

وأعداء الإسلام - وهم يخوضون حربهم ضد هذا الدين وأصحابه - لا يدعون فجا يمكن أن ينالوا به من الإسلام وأهله إلا وسلكوه، ولا تتهيأ لهم فرصة سانحة إلا وظفوها ورعوها حق رعايتها، لتكون لهم سندا وركنا يؤوون إليه ويعتمدون عليه في حربهم الكبرى التي يريدون بها استئصال شأفة الحق، كما قال تعالى مخبرا عنهم تتبعهم الصعب والذلول وارتكاب المستحيل لأجل ذلك: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون}.

وهذا أمر كما يقرره القرآن الكريم تقريرا وافيا ويبينه بيانا شافيا ويعرِّف فيه المؤمنين حقيقة أعدائهم، فإن تاريخ الصراع الطويل الممتد عبر أقاصي القرون؛ يبرهن ذلك ويؤكده، كما أن الواقع المشاهد والحياة اليومية بأحداثها المتجددة ووقائعها المتنوعة؛ تدعم هذه الحقائق وتساندها مساندة تصيِّرها حق اليقين بل عينه.

ومن بين هذه الأساليب المتبعة - والتي لا تكاد تنفك عن سبيل من سبل سعيهم المتنوع والمتعدد - أسلوب يمكن أن نسميه بـ "حرب المصطلحات".

والمقصود به؛ أن يعمد أعداء الله إلى أمر من أمور الإسلام ذات الحقائق المحددة والمسميات المبينة والأسماء المنضبطة، فيضعون لها اسما مزيفا منفرا، يقلب صورة حقيقتها في الأذهان، ويصيرها مطبوعة بطابع تشمئز منه النفوس، وتنفر لدى سماعه القلوب، أو أن يقصدوا شيئا من القبائح التي نهى الشارع عنها ومقَتَها وبين حكمها ونَفر وحذر منها، وأظهر مضارها ومفاسدها؛ فيخترعون لها مصطلحا جذابا متألقا، يزينونها به ويرغبون فيها بواسطته، لتدنو منه النفوس خطوة خطوة، وتستأنس به الأفئدة وتألفه، وتميل نحوه القلوب وتقل درجة النفرة بينها وبين تلك القبائح شيئا فشيئا، حتى تتلاشى، فيسهل على النفس بعدها اقتحامها والعب منها دون شعور بالحرج، بل تستطيبها مع الأيام وتطمئن لها لطول الإلف وتوثق الصلة.

وهذا الأسلوب بشقيه - تحسين القبيح، وتقبيح الحسن - اعتمادا على المصطلحات المخترعة؛ يعد من الأساليب الخطيرة التي رافقت أعداء الله تعالى عبر مسيرتهم الطويلة في صراعهم مع الحق، فلم يكد ينفك عنه زمن من الأزمنة، أو تهمله طائفة من الطوائف المشاقة للحق.

وهو نهج إن لم يتنبه له المسلمون ويعوا خطورته ويدركوا عواقبه؛ فإنه سيؤدي حتما إلى قلب كثير من الحقائق الشرعية في أذهانهم ومن ثَم في واقعهم، وسينقلب من ورائه الحق باطلا والباطل حقا، والمنكر معروفا والمعروف منكرا، والمصلح مفسدا والمفسد مصلحا، وسيقود إلى فتح أبواب عريضة من الشر المستطير، وكلما استمرت الأيام ازداد شرها وظهر أثرها وتضاعف تأثيرها، وعسر إغلاقها وعلاجها، إلا بجهد متواصل وعمل دؤوب مضاعف، لا سيما مع تكفل وسائل الإعلام المتنوعة ذات الصيت العالي؛ بالقيام بهذه المهمة والتي يقوم كثير منها أو معظمها على حرب الله ورسوله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير