وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف وأحمد في رواية عنه، إلى جواز تطهير النجاسات بالماء وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به، كالخل وماء الورد ونحوهما مما إذا عصر انعصر، بخلاف الدهن والسمن ونحوهما، وهذا هو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حيث قال في الفتاوى الكبرى (5/ 311): وتطهر النجاسة بكل مائع طاهر يزيل: كالخل ونحوه، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن عقيل ومذهب الحنفية. انتهى
وقال:فالراجح في هذه المسألة أن النجاسة متى زالت بأي وجه كان زال حكمها فإن الحكم إذا ثبت بعلة زال بزوالها لكن لا يجوز استعمال الأطعمة والأشربة في إزالة النجاسة لغير حاجة لما في ذلك من فساد الأموال كما لا يجوز الاستنجاء بها.مجموع الفتاوى (21/ 475)
وقال أيضاً: لكن الصحيح انه إذا دلك النعل بالأرض طهر بذلك كما جاءت به السنة سواء كانت النجاسة عذرة أو غير عذرة فإن أسفل النعل محل تكرر ملاقاة النجاسة له فهو بمنزلة السبيلين فلما كان إزالته عنها بالحجارة ثابتا بالسنة المتواترة فكذلك هذا. مجموع الفتاوى (22/ 121)
راجع: حاشية ابن عابدين (1/ 309)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 233)،البناية على الهداية (1/ 711)
وقال المرداوي في الإنصاف (1/ 309): وعنه -أي الإمام أحمد - ما يدل على أنها تزال بكل مائع طاهر مزيل، كالخل ونحوه، اختاره ابن عقيل والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق. انتهى. وراجع المغني - (1/ 36)
ودليل القائلين بالجواز القياس على إزالتها بالماء بناء على أن الطهارة بالماء معللة بعلة كونه قالعاً لتلك النجاسة، والمائع قالع، فهو محصل ذلك المقصود فتحصل به الطهارة، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أو أذى فليمسحه وليصل فيهما. رواه أبو داود. ووجه الدلالة من هذا الحديث، أن إزالة النجاسة الحاصلة هنا، طهارة بغير الماء، فدل ذلك على عدم اشتراطه.
والراجح -والله أعلم- هو القول الثاني لقوة أدلته، وموافقته لقواعد الشريعة وأصولها العامة الداعية إلى اليسر ورفع الحرج، والسير على مقتضى القياس الصحيح، فلأن التراب مزيل طاهر اكتفت الشريعة به، ولأن المتقرر أن المشقة تجلب التيسير، ولو طلب من الإنسان في تطهير نعله أن يغسلها كلما علقت بها النجاسة لشق ذلك، والمتقرر أن كل فعل في تطبيقه عسر، فإنه يصحب باليسر، والمتقرر أن الأمر إذا ضاق اتسع، والمتقرر أن رفع الحرج عن المكلفين أصل من أصول الدين، وأن الله تعالى يريد بنا التيسير لا التعسير، والتخفيف لا الإثقال.
قال الخطابي: قلت كان الأوزاعي يستعمل هذا الحديث على ظاهره وقال يجزئه أن يمسح القذر في نعله أو خفه بالتراب ويصلي فيه.
وذكر هذا الحديث في غير هذه الرواية عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد وروي مثله في جوازه عن عروة بن الزبير وكان النخعي يمسح النعل أو الخف يكون فيه السرقين عند طب المسجد ويصلي بالقوم. وقال أبو ثور في الخف والنعل إذا مسحهما بالأرض حتى لا يجد له ريحا ولا أثرا رجوت أن يجزئه. معالم السنن 288 (1/ 119)
قال الشوكاني: والظاهر أنه لا فرق بين أنواع النجاسات بل كل ما علق بالنعل مما يطلق عليه اسم الأذى فطهوره مسحه بالتراب. قال ابن رسلان في شرح السنن: الأذى في اللغة هو المستقذر طاهرا كان أو نجسا انتهى. نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (1/ 54)
قال الصنعاني:وفي الحديث دلالة على شرعية الصلاة في النعال وعلى أن مسح النعل من النجاسة مطهر له من القذر والأذى، والظاهر فيهما عند الإطلاق النجاسة، رطبة أو جافة، ويدل له سبب الحديث وهو إخبار جبريل له صلى الله عليه وسلم أن في نعليه أذى، في صلاته واستمر فيها، فإنه سبب هذا. سبل السلام (1/ 475)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ:هذا فيه مشروعية النظر في النعلين وإِذا وجد فيهما أَذى وجب مسحهما. وفيه أَنه يطهر بالمسح بالأَرض.مجموع فتاوى ورسائله (2/ 133)
سابعاً: الصلاة في النعال.
الأحاديث الواردة:
1 - عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال سألت أنس بن مالك أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه قال نعم.رواه البخاري (1/ 86) رقم 386،ومسلم (1/ 391) 60 - (555)
¥