سئل: عن المسلمين الساكنين في وطن من الأوطان الأندلسية يسمى أرغون و هم تحت ذمة السلطان النصراني يأخذ منهم خراج الأرض بقدر ما يصيبونه فيها، و لم يتَعدّ عليهم بظلم غير ذلك لا في الأموال و لا في الأنفس و لهم جوامع يصلون فيها و يصومون رمضان و يتصدقون و يفكّون الأسارى من أيدي النصارى إذا حلّوا بأيديهم، و يقيمون حدود الإسلام جهرا كما ينبغي و يُظهِرون قواعد الشريعة عيانا كما يجب، و لا يتعرض لهم النصارى في شيء من أفعالهم الدينية و يَدْعون في خطبهم لسلاطين المسلمين من غير تعيين شخص، و يطلبون من الله نصرهم و هلاك أعدائهم الكفار، و هم مع ذلك يخافون أن يكونوا عاصين بإقامتهم ببلاد الكفر. فهل تجب عليهم الهجرة، و هم على هذه الحالة من إظهار الدين نظرا إلى أنهم ليسوا على أمان أن يكلفوهم الارتداد و العياذ بالله تعالى، أو على إجراء أحكامهم عليهم، أو لا تجب نظرا إلى ما هم فيه من الحال المذكور؟
فأجاب: بأنه لا تجب الهجرة على هؤلاء المسلمين من وطنهم لقدرتهم على إظهار دينهم به، و لأنه صلى الله عليه و سلم بعث عثمان يوم الحديبية إلى مكة لقدرته على إظهار دينه بها، بل لا تجوز لهم الهجرة منه، لأنه يرجى بإقامتهم به إسلام غيرهم، و لأنه دار إسلام فلو هاجروا منه صار دار حرب، و فيما ذكر في السؤال من إظهارهم أحكام الشريعة المطهرة و عدم تعرض الكفار لهم بسببها على تطاول السنين الكثيرة ما يفيد الظن الغالب بأنهم آمنون منهم من إكراههم على الارتداد عن الإسلام أو على إجراء أحكام الكفر عليهم. انتهى.
وفي فتاوى أبي القاسم السمرقند:
قال العبد: هذه البلية الواقعة في زماننا باستيلاء الكفار على بعض ممالك الإسلام لا بد فيها من تعريف الاحكام، أما البلاد التي في أيديهم فلا شك أنها بلادُ الإسلام لا بلادُ الحرب لأنها غيرُ متاخِمةٍ لبلاد الحرب و لأنهم لم يُظهروا فيها حكم الكفر بل القضاة مسلمون، و من قال منهم أنا مسلم أو يَشهد بالكلمتين يُحكم بإسلامه، و من وافقهم من المسلمين فهو فاسق غير مرتد و لا كافر و تسميتهم مرتدين من أكبر الكبائر، لأنه تنفير عن الإسلام و تقليل لسواده و إغراء على الكفر، و كفى بذلك جحةً إجراءُ احكام الإسلام من صاحب الشرع صلى الله عليه و سلم على المنافقين مع الوحي الناطق بنفاقهم. و الملوك الذين يطيعونهم عن ضرورة مسلمون، و إن كان عن غير ضرورة فكذلك و هم فساق. انتهى.
ومثلها فتوى الإمام المازري المالكي رحمهم الله
--هنا صورة المخطوطة-- (انظر المرفق)
تعقيب من الكاتب على المداخلين
أشكر الأخوة المعلقين على المقال جميعاً ...
وأسأل الله أن يكتب لهم حسن العقبى وجزيل المثوبة وأن لا يحرمني وإياهم من الأجر إذا أخطأنا إصابة الأجرين.
كما أسأله أن يصلح سرائرنا ويسدد ظواهرنا.
ثانياً: علينا أن نقرأ نص البيان بنفسية من عقد المؤتمر من أجلهم وكتب البيان لهم وهم إخواننا المسلمين المنتشرين في سعة الرقعة العالمية بقاراتها الست.
فإن التلقي بهذا التصور يساعد على فهم أبعاده ومعانيه ...
ثالثاً: علينا عند التنازع الرد إلى الهدي النبوي ودلالة السيرة النبوية الهادية، وأن نخلع عند عتبة النص النبوي مرادات نفوسنا التي نميل إليها، ولن نحرم تسديد الله ومعونته إذا صدقنا في هذا القصد.
رابعاً: علينا التفقه في دلالة بقاء الصحابة في الحبشة سبع سنين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا في الحبشة في الوقت الذي قامت فيه دولة للإسلام إمامها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يعودوا إلا في السنة السابعة ولم تطالهم معاتبة أو لوم بل تلقوا بالبشرة النبوية (لكم أصحاب السفينة هجرتان).
وبقي النجاشي بعد إسلامه في الحبشة بين ظهراني قومه الذي لم يسلموا وعندما توفي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: توفي اليوم رجل صالح.
ووجه بعض العلماء صلاة الغائب عليه أنه توفي وليس ثمة مسلم في الحبشة غيره.
فما هو توصيف الحبشة التي أقام فيها هؤلاء الأخيار مع قيام دولة الإسلام في المدينة إنها ليست دار إسلام، ولا دار حرب، ولكنها دار سلام وأمن أمنوا فيها على دينهم ولم يعاتبوا على ثوائهم بها.
¥