فهذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهدي خلفائه وصحابته من بعده، وقد قال في حقهم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي) رواه الترمذي وغيره، وقال: (أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهبوا أتى أمتي ما توعد) رواه مسلم، والكلام على هذا ما يلي:
ففي زمن النبي صلى الله عليه وسلم: أولاً:
لم تكن الأسواق تفتح في المدينة بعد الأذان تعظيماً لهذه الشعيرة، فقد روى ابن مردويه في "تفسيره" عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله): كانوا رجالاً يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم وقاموا إلى المساجد فصلوا.
ورواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس بنحوه، ورواية علي عن ابن عباس من أصح نسخ التفاسير، قال أحمد بن حنبل: صحيفة بمصر في التفسير لو سافر إليها الرجل ما كان كثيراً يرويها علي عن ابن عباس.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار عن سالم عن ابن عمر: أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ثم دخلوا المسجد فقال ابن عمر: فيهم نزلت (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله).
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابن مسعود: أنه رأى ناساً من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم وقاموا إلى الصلاة فقال: هؤلاء الذين قال الله: (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله).
وكان هديه عليه الصلاة والسلام تنبيه الناس في الطريق وإقامتهم إلى الصلاة، وأن لا يكلهم إلى إيمانهم وصلاحهم، ولا إلى سماعهم النداء كما جاء عن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه و سلم لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل إلا ناداه بالصلاة أو حركه برجله. رواه أبو داود وسكت عليه محتجاً به، وقد قال في رسالته لأهل مكة: كل ما سكت عنه فهو صالح.
يعني للاحتجاج.
وروي هذا في أحاديث كثيرة بمعناه فقد روى أحمد في "مسنده" عن عبد الله بن طهفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا خرج يوقظ الناس الصلاة، الصلاة، الصلاة.
وقد كانت الأسواق في زمن النبي صلى الله عليه وسلم تفتح مع صلاة الفجر، فبين بعض الصحابة خطورة التخلف عن صلاة الجماعة، والمبادرة إلى الأسواق قبلها، فقد روى ابن أبي عاصم في الوحدان ومن طريقه أبو نعيم بسند صحيح عن ميثم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال: يغدو الملك برايته مع أول من يغدو إلى المسجد فلا يزال بها معه حتى يرجع فيدخل باب منزله وإن الشيطان ليغدو برايته مع أول من يغدو إلى السوق.
قال ابن حجر: وهذا موقوف صحيح السند.
وكان عمل الصحابة رضي الله عنهم عدم البيع وقت الصلاة، بل الانصراف من السوق وتركه إلى المساجد فروى أحمد بسند جيد عن زيد بن خالد الجهني قال: كنا نصلى مع النبي صلى الله عليه و سلم المغرب وننصرف إلى السوق.
يعني أنهم قطعوا الضرب في الأسواق عصراً بدخول وقت المغرب ثم انصرفوا إلى سوقهم مرة أخرى.
وكان الأمر بذلك والطواف على الناس وتنبيههم في أول الأمر في المدينة وفي آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وفي أسفاره أيضاً، كما في حجة الوداع، كما رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة عن مسلم ِ بن يَسار عن أَبيه، قَالَ: خرجت مع مولاي فضالة بن هلال في حجة الوداع فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصلاة الصلاة.
وقد جاء في أول الأمر ما رواه ابن خزيمة في " صحيحه" والطبراني عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: كانت الصلاة إذا حضرت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم سعى رجل إلى الطريق، فنادى: الصلاة الصلاة.
ثانياً: كان هذا العمل في زمن الخلفاء الراشدين:
ينبهون على الصلوات في الأسواق والطرقات ويأمرونهم بذلك:
فقد اشتهر هذا في فعل الخلفاء عمر وعلي يقومون به بأنفسهم لا ينيبون عليه أحداً، قال أبو زيد المجاجي في شرحه على "مختصر ابن أبي جمرة": ذكر غير واحد ممن ألف في السير أن عمر بن الخطاب وعلياً كانا من عادتهما إذا طلع الفجر خرجا يوقظان الناس لصلاة الصبح.
أما عن عمر بن الخطاب:
¥