فيجالسون النساء, ويمازحون, وينظرون, ويتلذذون بالنظر إليهن, ويكون وراء ذلك ما وراءه من الأهداف السيئة التي نهايتها فعل الفواحش, وانتشار الزنا. فمثل هؤلاء لا شك أنهم يصدق عليهم أنهم من الذين يحبون الفاحشة, قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الذين يحبون شيوع الفاحشة؛ يعني فاحشة الزنا والتبرج: {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}.
فلا يجوز أن يُصْغِي أحد إلى دعاياتهم في قولهم: إن المرأة مهضومة الحق وأنكم ظلمتموها, وأنكم بخستموها حقها!! بل الإسلام جعل المرأة جوهرة مصونة, تصان عن كل ما يدنسها وكل ما يوسخها. فإذا كانت مصونة في بيتها فإنها تبقى على صيانتها, كالجوهرة النظيفة التي لم يمسها شيء من الأوساخ والأقذار. أما إذا برزت وخرجت فإن خروجها؛ يكون سببًا في أنها تتدنس بمن يلامسها ويجالسها, ويمازحها.
كما يحصل ذلك في كثير من البلاد التي يحصل فيها الاختلاط. لا شك أن من أسباب الفساد, ومن أسباب شيوع الفاحشة الاختلاط الذي يدعو إليه أولئك المغرضون. يدعون إلى الاختلاط اختلاط الرجال بالنساء في المجتمعات وفي المنتزهات, وما إلى ذلك. فإذا خرج النساء من بيوتهن وزاحمن الرجال في تلك المنتزهات, أو أمام تلك الملاعب ونحوها، ومَسَّ المرأةَ رجلٌ أجنبيٌّ أو قرب منها, وكلمها وكلمته, وحصل بينه وبينها شيء من المزاح, أو المعاكسة, وما أشبهها، كان هذا سببًا لانتشار الفاحشة أو لتمكنها, ولضعف الإيمان، أما إذا بقي النساء في أماكنهن, وحافظن على أنفسهن, فإن الإيمان معهن يكون ثابتًا راسخًا قويًّا لا يتزعزع.
نقول: إن زينة المرأة بلا شك في وجهها, فإنه مجمع المحاسن, فلا يُلتفت إلى الذين يأمرونها بأن تكشف وجهها أمام الرجال, والذين يدَّعون أن الحجاب إنما هو ستر الرأس, أو ما أشبهه. إذا كانت المرأة مأمورة بالتستر وعدم إبداء الزينة, فإن التستر والتحجب هو ستر الوجه كله , حتى ولو كانت في الإحرام.
ذكرت عائشة رضي الله عنها أن الرجال إذا مروا بهن وهن محرمات في هوادجهن, سدلت إحداهن جلبابها من رأسها على وجهها, هكذا تقول عائشة: «إذا حاذانا الرجال سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه» مع أن المحرمة مأمورة بأن لا تلبس غطاء الوجه الذي يستر الوجه، وهو النقاب ونحوه.
ومع ذلك تستر وجهها بهذا الجلباب حفاظًا على ستر زينتها, وحفاظًا على كرامتها, وألا تبدي زينتها لغير محارمها؛ عملاً بالآية الكريمة: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} زينة المرأة ما يكون من جمالها؛ يعني وجهها, ورأسها, وشعرها, ونحرها, وعنقها, وساعداها, وساقاها, وكذلك كفها وقدمها وجميع بدنها -إذا أبدت شيئًا من ذلك فإنه من الزينة التي حُرِّمَ أن تبديها.
وأما قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}؛ فالمراد بالزينة هاهنا الثياب؛ أي لا تبدي ثياب الزينة إلا الثياب الظاهرة, كالعباءة مثلا, والمشالح التي تكون ظاهرة, ومع ذلك فإنها تؤمر بأن لا تلبس اللباس الذي يلفت الأنظار, بل تحرص على أن لا تلبس شيئًا إلا لباسًا معتادًا ليس فيه شيء من التبرج ولا من التجمل, وما أشبه ذلك. هكذا تكون المرأة التي تريد صيانة نفسها.
ولما أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للنساء, أو أمرهن أن يخرجن لصلاة العيد: قالت إحداهن: إذا لم تجد جلبابًا؟ فقال: «لتلبسها صاحبتها من جلبابها» الجلباب هو الرداء الذي تلتف به، أَمَرَها بأن تلبس الجلباب الذي يستر جميع بدنها, ولو أن يجتمع ثنتان في جلباب واحد إذا خرجن لصلاة العيد ونحوها. ومع ذلك فإن عائشة تقول: لو شهد النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثه النساء لمنعهن المساجد.
هذا في عهد عائشة التي توفيت سنة ثمان وخمسين من القرن الأول, فكيف بزماننا هذا الذي خرج كثير من النساء عما جُبِلْنَ عليه من الزينة, وأبدين زينتهن, وتبرجن وأبدين محاسنهن, وكأنهن لسن مأمورات ولا منهيات ولا مكلفات بشيء من أوامر الشريعة!! ولا شك أن هذا خروج عن تعاليم الشريعة الإسلامية, وعدم امتثال لأمر الله تعالى.
¥