و المقصود أن هذا التقسيم للدور مبني على أدلة شرعية – كما هو مبسوط في موضعه – فيتعين العمل به حسب الوسع و الاستطاعة، و أما التزهيد في هذه التقاسيم ومحاولة طمسها فهو توثب على العقيدة و الشريعة، وتوهين لما عظّمه الله – تعالى - من عداوة للكافرين و مفارقتهم، و النهي عن التشبه بهم.
زهّد هؤلاء في تحريرات الفقهاء و تحقيقات علماء السلف في تقسيم الدور، ثم تراهم قد فتنوا و أشربوا تعظيم المعاهدات الدولية، و الإجلال لها!
فزعموا أن هذه المعاهدات " يتحقق بها الأمن و السلام لجميع البشرية، و تأمن فيها على أموالها و أعراضها و أوطانها. . . "
حقًا إنها ثمرة نكدة أن يحتج بالمعاهدات الدولية، و أن تكون محل تسليم و احترام بلا قيد و لا تفصيل، لا سيما وأن هذه المعاهدات لا تعظّم شرع الخالق – سبحانه -، و لا تحقق عدلاً للمخلوق. . بل التعويل على هذه المعاهدات ضرب من الأحلام و الأماني التي لا تجاوز الأذهان، كما هو مشاهد في الواقع و الأعيان.
ما أجمل ما سطره الأستاذ الكبير / د. محمد محمد حسين – رحمه الله – وقبل أكثر من ثلاثين سنة بشأن هذه الخدائع " الدولية " فكان مما قاله: " و لو تتبعنا الدعوة المبتدعة المعاصرة إلى العالمية لوجدنا أنها دعوة هدامة من وجوه:
منها: أنها تناقض الناموس، و تخالف سنة ثابتة من سنن الله في الأرض، و هي دفع الناس بعضهم ببعض، و ضرب الحق بالباطل. . و أكثر الناس تأثّرًا بدعوة العالمية هم الخاملون من الضعفاء، الذين تقصر هممهم عن الطموح إلى و سائل النهوض، و الأخذ بأسباب القوة و الجهاد في سبيلها، فيركنون إلى أحلام العالمية التي تمنيهم بسلام يعطف فيه القوي على الضعيف، و ليس أضر بالأمة الضعيفة من هذه الأحلام، لأنها تزيدها ضعفًا على ضعفها، و تقضي على البقية الباقية من معالم شخصيتها، و قد جربنا الكلام عن الإنسانية و التسامح و السلام، و حقوق الإنسان في عصرنا، فوجدناه كلامًا يصنعه الأقوياء في وزارات الدعاية و الإعلام ليَنْفَق و يروج عند الضعفاء، فهو بضاعة معدة للتصدير الخارجي، و ليست معدة للاستهلاك الداخلي، لا يستفيد منها دائمًا إلا القوي. . ثم إن الأحلام العالمية لن تغيّر سنة الله في خلقه، و لن يكون من نتائجها إلا أن تذوب بعض جماعات ضعيفة متهافتة كُتب عليها الفناء، لأنها لا تستحق البقاء. . . " 7.
ربما اختار البعض " الإسلام المريح " فاستملح الذوبان و الانصهار مع الأعداء، و استروح مسلك أرباب " العقول المعيشية "، و آثر النكوص عن ميادين مدافعة الظلم و الاستبداد. . .، و انهمك في " شرعنة " الجبن و الهروب من تكاليف المدافعة والاحتساب.
إلا أن أفرادًا تجاوزا ذلك إلى خنق شعيرة الجهاد، و محاصرته و تحجيمه، و إضفاء شروط و آصار دون تحقيق أو تحرير. . فمع أن في القوم من استحوذ عليه الإفراط في التيسير و تتبع الرخص، إلا أن الجهاد قد حاصروه بآصار و أغلال، فلا جهاد إلا بإمام و إذنه!. و الجهاد مجرد دفع فحسب، و ليس الجهاد لأجل الكفر كما في قوله – تعالى -: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة 29.
و من المفارقات عن مؤتمر ماردين أن يهول من شأن إذن السلطة في الجهاد، مع أن إذن الإمام الشرعي في الجهاد محل خلاف فقهي، و مسألة يسع فيها الاجتهاد 8، و في نفس الوقت يهون من قضايا إجماعية ظاهرة كما تقدّم في مسألة تقسيم الدور! ثم هل يريد القوم أن الجهاد منوط بالأنظمة العلمانية (الصارخة) كنظام الإمام القذافي و زين العابدين ونحوهم!؟
و هل يتصور عاقل أن شعيرة الجهاد منوطة بإذن كرزاي الأفغان، أو عباس السلطة؟! و هل حكام اليوم راغبون في الجهاد في سبيل الله – تعالى -؟ و هل لديهم أهلية الاجتهاد في الإذن من عدمه؟!
إن الناظر إلى شروط القوم في الجهاد ليشعر إنها محاولة بائسة لإضعاف الجهاد القائم و إجهاضه كما في فلسطين و الأفغان مثلاً.
¥