وقال النووي في اول تهذيبه: هذا أخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة هذا العلم وحفظه, وعدالة ناقليه, وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفاء من العدول يحملونه, وينفون عنه التحريف, فلا يضيع, وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر, هكذا وقع, ولله الحمد, وهو من أعلام النبوة, ولا يضر كون بعض الفساق يعرف شيئاً من علم الحديث, فإن الحديث إنما هو أخبار بأن العدول يحملونه, لا أن غيرهم لا يعرف من شيئاً. ا هـ.
على أنه قد يقال ما يعرفه الفساق من العلم ليس بعلم حقيقة لعدم عملهم, كما أشار إليه سعد الدين التفتازاني في تقرير قول التلخيص, وقد ينزل العالم بمنزلة الجاهل, وصرح به الشافعي: ولا علم إلا مع التقى, ولا عقل إلا مع الأدب, ونظمته فقلت من بحر الطويل:
ولا خير في علم إذا لم يكن تقى ولا خير في عقل إذا لم يكن أدب
ولعمري, أن هذا الشأن من أقوى أركان الدين, وأوثق عرى اليقين, لا يرغب في نشره إلا صادق تقي, ولا يزهد فيه إلا كل منافق شقي.
قال ابن القطان: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث.
وقال الحاكم: لولا كثرة طائفة المحدثين على حفظ الأسانيد لدرس منار الإسلام, ولتمكن أهل الألحاد والمبتدعين من وضع الأحاديث وقلب الأسانيد. ا هـ.
واقتصر على هذا في ذكر أقوال أهل العلم في فضائل أهل الحديث نثراً, وأما النظم فمن أجمل ما قيل في ذلك ما أنشده القسطلاني في مقدمة شرحه لصحيح البخاري لأبي بكر حميد القرطبي الأندلسي رحمه الله:
نور الحديث مبين فادنُ واقتبس واحد الركاب له نحو الرضى الندس
واطلبه بالصين فهو العلم أن رفعت أعلامه برباها يا ابن أندلس
فلا تضع في سوى تقييد شارده عمراً يفوتك بين اللحظ والنفس
وخل سمعك عن بلوى أخي جدل شغل اللبيب بها ضرب من الهوس
إلى أن قال:
واقف النبي وأتباع النبي وكن من هديهم أبدا تدنو إلى قبس
والزم مجالسهم واحفظ مجالسهم واندب مدارسهم بالأربع الدرس
واسلك طريقهم والزم فريقهم تكن رفيقهم في حضرة القدس
تلك السعادة أن تعلم بساحتها فحط رحلك قد عوفيت من تعس
وقد اقترح علي العالم السلفي محمد حسين الفقي الحجازي الجدي سنة 1341هـ حين حججت أول حجة تخميس هذه القصيدة, وكنت مشغول البال بالأهتمام بالسفر إلى الهند في طلب علم الحديث, فلما وصلت إلى دلهي عاصمة الهند, واستقررت فيها, استجابت القريحة لطلب العالم المذكور فنظمت تخميسها ونشرته في دلهي مع قصائد أخرى سميتها (الهدايات) وقد نقله بتمامه أستاذنا الأحوذي, المتقدم ذكره, مصدراً له بقوله: وقال بعض الأعلام, أثبته هنا إلا بيتاً واحداً, وهذا نص التخميس.
أن كنت تطلب علماً جد ملتمس وحرت إذ غم عنك الرطب باليبس
فاسمع لنصح لبيب أي محترس
نور الحديث مبين فادنُ واقتبس واحد الركاب له نحو الرضى الندس
واقطع علائق من تحصيله منعت تنظر شموس الهدى في الأفق قد طلعت
وحجب غي ترى عن فلبك ارتفعت
فاطلبه بالصين فهو العلم أن رفعت أعلامه برباها يا ابن أندلس
ولازم الدرس واغنم من فوائده لا تقنع الدهر من حلوى موائده
واشرب فديتك علا من موارده
ولا تضع في سوى تقييد شارده عمراً يفوتك بين اللحظ والنفس
دع الكلام فما فيه سوى الخطل وانبذ مجالسه تحفظ من العلل
فذاك شر ابتداع جاء بالخلل
وخل سمعك عن بلوى أخي جدل شغل اللبيب بها ضرب من الهوس
الله يعلم كم سيق من ضرر للناس من أجله في البدو والحضر
أقبح بها بدعة تدنى إلى سقر
إلى أن قلت:
ورد بقلبك عذباً من حياضهما تغسل بماء الهدى ما فيه من دنس
شد الرحال إليهم كي تجالسهم واحذر فديتك يوماً أن تعاكسهم
لا تحسدنهم ولكن كن منافسهم
والزم مجالسهم واحفظ مجالسهم واندب مدارسهم بالأربع الدرس
واطلب مودتهم وكن صديقهم وكن مجالسهم تشرب رحيقهم
وقرهم كلهم واعرف حقوقهم
واسلك طريقهم واتبع فريقهم تكن رفيقهم في حضرة القدس
في الشريعة فانظر في سماحتها كفيلة للنفوس باستراحتها
في حظرها حكمة وفي إباحتها
تلك السعادة أن تلمم بساحتها فحط رجلك قد عوفيت من تعس
ـ[أبو عبد الله العميسان]ــــــــ[25 - 04 - 10, 01:32 ص]ـ
رحم الله الشيخ رحمة واسعة
ـ[زين العابدين]ــــــــ[30 - 04 - 10, 06:45 ص]ـ
¥