تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

البرهان السادس: قال هرقل لأبي سفيان فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه, قال أبو سفيان: لا, قال هرقل: وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا, وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب, أقول كل من دخل في دين, أو عقيدة على علم وبصيرة واطلاع تام, يغتبط به ويزداد له حباً على مر الإيمان, هذا إذا كان ذلك حقاً ففي كل يوم ينكشف للداخل فيه من فضائله ما يزداد به غبطة وابتهاجاً بخلاف العقائد الباطلة المظلمة إذا زخرفها المزخرفون فإن الداخل فيها تنكشف له كل يوم ظلمة جديدة ويبدو له عيب كان خافياً عليه فيسوء ظنه ويرتد عن ذلك الدين, أو العقيدة, أو المذهب, فالإسلام كمال, قال الشاعر:

يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظراً

البرهان السابع: قال هرقل لأبي سفيان فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال, قال أبو سفيان: لا, قال هرقل: وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال, فذكرت أن لا, فقد أعرف أن لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. أ هـ.

أقول وهذه الحجة من أقوى الحجج العقلية التي لا يرتاب فيها عاقل, لأن الكذب رذيلة يتنزه عنها كل أنسان له شرف ومروءة وقد رأينا أن أبا سفيان بن حرب على كفره وطغيانه ورغبته في محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذله في ذلك كل مرتخص وغال لم يرض لنفسه أن يكذب على عدوه أمام هرقل ومن سما بنفسه وضن شرفه ومروءته, فامتنع من الكذب على الناس يستحيل أن يسمح لنفسه بالكذب على الله, ولما رأى عبد الله بن سلام الحبر الأسرائيلي وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فما هو إلا أن رأيته فعلمت أن وجهه ليس بوجه كاذب. أ هـ.

البرهان الثامن: قال هرقل لأبي سفيان فهل يغدر؟ قال أبو سفيان: لا, ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها, قال ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة, قال هرقل وسألتك هل يغدر؟ فذكرت أن لا, وكذلك الرسل لا تغدر. أ هـ.

استدل هرقل في جملة ما استدل به على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بتنزهه عن الغدر, فالملوك والرؤساء, قد يغدرون إذا وجدوا فرصة في إهلاك عدوهم يخافون أن لا يجدوا مثلها.

أما الرسل عليهم الصلاة والسلام فإنهم منزهون عن الغدر لأن دعوتهم إلى مكارم الأخلاق تتنافى مع الغدر ولا تجتمع معه البتة, ولأن الله ضمن لهم النصر وجعل لهم العاقبة فلا حاجة بهم إلى الغدر لأنهم واثقون بوعد الله كما قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} وقول أبي سفيان فلم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة يدلنا على شدة بغضه للنبي وحرصه أن يتنقصه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً, فإن أقراره بهذه الفضائل حجة عليه وعلى كل مخالف, وقوله منه ونحن في مدة أي في معاهدة على الهدنة لا ندري أيفي بما عاهدنا عليه في المستقبل كما فعل في الماضي أم يغدر.

البرهان التاسع: قال هرقل لأبي سفيان فهل قاتلتموه, قال أبو سفيان: نعم, قال فكيف قتالكم إياه, قال: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه. أ هـ.

أقول وهذا شأن رسل الله مع أعدائهم إذا اقتتلوا معهم لأن حكمة الله اقتضت أن يدعو الرسول إلى الإيمان بالله وإقامة دين الله فإذا آمنت به جماعة من الناس قاتل بهم من كفر به ليثبت الأجر للمجاهدين ويعذب الله الكافرين بأيدي المؤمنين كما قال تعالى في سورة التوبة رقم 14, 15: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ - وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ولو أن الله أرسل على الكافرين صواعق فأحرقهم لكان ذلك اجباراً لمن آمن على الإيمان والله لا يجبر الناس على الإيمان لأن المجبر لا يستحق ثواباً وإنما يستحق الثواب من أختار طاعة الله واتباع رسله بعد أن تبين صدقهم, وعرف الحق فاتبعه والباطل فاجتنبه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير