فكيف لي أن تعود له نفسي يا فضيلة الشيخ؟ الحمد لله على كل حال. والسؤال الآن: هل يجوز ضرب المرأة وإن أخطأت بهذه الطريقة؟ وضربها على الوجه هل يجوز؟ وكذبي على أهلي هل هو جائز لدفع الضرر؟. ثانياً: ما موقفي من زوجي الآن؟ وهل معاملتي له بما ذكرت جائزة؟ علماً بأن زوجي مقصر جدّاً في الصلاة فهو لا يصلي الفجر يوميّاً تقريباً إلا بعد طلوع الشمس حينما يستيقظ لعمله. ثالثاً: أنا أوقظ زوجي لصلاة الفجر يوميّاً، لكنه لا يجيب النداء، هل أتركه؟ وهل علي إثم إن لم أوقظه، مع أنه يستيقظ للعمل وحده، حتى ولو لم أوقظه؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
والله إننا لفي غاية العجب والألم، غاية العجب أن يوصف هذا بأنه " ملتزم "!، وغاية الألم مما أصابكِ من ضرر نفسي وبدني جراء ضربه، ونأسف أن يكون الالتزام عند كثير من الناس يعني المظهر الخارجي، وأما حقيقة الالتزام فبعيد عنهم وهم بعيدون عنه، فالالتزام بأمر الله وشرعه ليس في الثوب واللحية فحسب، بل فيما هو أعظم منهما، وفيما هو أقل منهما، فلا يصلح أن يكون ملتزماً وهو يكذب، أو يسرق، أو يتخلف عن الدوام ويأكل مال من يعمل عنده بالباطل، ولا يصلح أن يكون ملتزماً وهو يقصِّر في الصلاة، أو يحادث الفتيات الأجنبيات وينظر إليهن، فالالتزام يعني الاستقامة على أمر الله تعالى، وليس اختيار ما يوافق هواه من الأحكام، فيُظهر نفسه على حال، وتكون حقيقته حالاً أخرى! ونرى هذا واضحاً فيما يرد لنا من تعامل هذا الصنف مع زوجاتهم، بالسب والشتم والضرب على أتفه الأسباب.
ثانياً:
قد شرع الله تعالى الزواج لغايات حكيمة وحكم جليلة، فأين تحقيقها فيما نراه ونسمعه من مثل هذه المعاملات السيئة للزوجات، أين المودة والرحمة في علاقة الزوجين؟ وأين التربية والرعاية لهذه الزوجة وأولادها؟ وأين النصح والتوجيه من قبَل الأب المسئول؟.
قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم/ 21.
قال ابن كثير - رحمه الله -:
فلا ألفة بين رُوحيْن أعظم مما بين الزوجين.
" تفسير ابن كثير " (3/ 525).
ثالثاً:
قد وقع هذا الزوج – على حسب ما ورد في السؤال – في كثير من المخالفات، ويستحق الأمر أن نقف معها، فلعلَّ الله أن يغيِّر حاله، وحال من هو مثله إلى أحسن منها، ومن هذه المخالفات الشرعية في فعله:
1. مخالفة الأمر في المعاشرة بالمعروف.
وقد أمر الله تعالى الزوج بمعاشرة زوجته بالمعروف نصّاً، فقال عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/ من الآية 19.
2. الوقوع في إثم الظلم.
والظلم محرّم في الكتاب والسنَّة، وضرب الرجل لامرأته من غير مسوغ: ظلم بيِّن، والظلم ظلمات على صاحبه يوم القيامة.
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا).
رواه مسلم (2577)
قال ابن جرير الطبري - رحمه الله -:
والصواب من القول في ذلك عندنا أنه غير جائز لأحدٍ ضرب أحد من الناس، ولا أذاه، إلا بالحق؛ لقول الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب/ 58، سواء كان المضروب امرأة وضاربها زوجها، أو كان مملوكا أو مملوكة وضاربه مولاه، أو كان صغيراً وضاربه والده، أو وصي والده وصَّاه عليه.
" تهذيب الآثار " (1/ 418).
3. مخالفة الأمر بعدم الضرب المبرح.
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: (اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
¥