ـ[أبو جعفر المدني]ــــــــ[14 - 05 - 10, 07:35 م]ـ
الحلقة الرابعة
قوافل الطاعة في وجوب صلاة الجماعة
«رداً على الشيخ الغامدي في مقالاته»
تقدم في الحلقات الثلاثة الماضية ما يؤكِّد وجوب صلاة الجماعة خلافاً لما ادَّعاه الغامدي عن تلك الأدلة الصحيحة الصريحة على الوجوب , وإن كان هناك من أوَّلها أوالى الضعف حولها.
وفي هذه الحلقة الرابعة أجيب على الغامدي فيما يتعلق برده على من احتج على وجوب الجماعة بأثر ابن عباس رضي الله عنهما فأقول وبالله التوفيق.
لقد اعترض الغامدي على أثر ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا لعذر» فقال «قال هذا الحديث اختلف في رفعه ووقفه، والراجح فيه الوقف، لكونه رواية جماعة الثقات، عن شعبة، وهؤلاء الثقات هم: علي بن الجعد، ووكيع، ووهب بن جرير، وعمرو بن مرزوق، وحفص بن عمر الحوضي، وسليمان بن حرب، وعبدالرحمن بن مهدي، وربيب شعبة محمد بن جعفر. وأكد أن رواية الرفع جاءت من طرق ستة كلها لا تصلح للاحتجاج ... »
وجوباً على الغامدي أقول بما أنك أثبت صحة وقفه فهذا أول الحجج عليك بالوجوب وكلام ابن عباس عندنا أولى من كلامك أو كلام غيرك ممن لا يرى الوجوب.
ويكفي القائلين بالوجوب شرفاً أن يكون ابن عباس في صفهم وهوحبر الأمة و ترجمان القران بل وكذلك أبو موسى الأشعري , وابن مسعود رضي الله عنهم جميعاً , فهم القوم لا يشقى بهم جليس , وكلامهم وآرائهم أولى من كلام الشوكاني الذي ظلت عليه عاكفاً تصول به وتجول في حلقاتك الثلاثة مستدلاً به , مدنداً حوله على عدم وجوب صلاة الجماعة!!
ومن هنا كان الوقف على الموقوف من كلامهم أولى من الوقف على كلام الشوكاني رحمه الله قال الشاعر:
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه
نعم يا غامدي ما العلم نصبك للخلاف ..... !! بين قول هؤلاء وبين قول الشوكاني لاسيما وأنت تعلم بالخلاف بين أهل العلم على حجية قوله الصحابي فمالك بعده , قللت شأنه! وكان الواجب عليك رفعه!! لا بقول الشوكاني ترده.
ثم لو كان الأثر موقوفاً ألا تراه يبلغ أن يكون مرفوعاً؟!
إذ لم يكن الأثر كذلك فأنى لابن عباس إبطال صلاة أو إكمالها اجتهاداً من تلقاء نفسه إن لم يكن عنده فيه خبر , عن سيد البشر.
ناهيك وأنَّ الخلاف في الرفع والوقف هين إذا كان الأثر له حكم الرفع.
عندها المحدثون لا يحكمون على المرفوع بالضعف , وإن كان الموقوف أصح , ويقولون ربما أفتى به الراوي , وربما رفعه , ولا يُعلِّون المرفوع بالموقوف.
ثم ماذا عن مرويات الوقف في الأثر مالك ذكرتها , وما خرجتها , ولا بالنقد عاملتها , خلافاً منك لمرويات الرفع التي علَّلتها.
وحتى لا يطول البحث أبين طرفاً فيها من تناقضك ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
قال الغامدي عن رواية هشيم بعدما أكَّد أن روايات الرفع الستة كلها ضعيفة ولا تصلح للاحتجاج قال وهذه رواية شاذة لتفرد هشيم عن بقية أصحاب شعبة ولأن هشيماً مدلس وقد عنعنه.
هكذا قال , ثم بعدها بسطور قال عن رواية سليمان بن حرب «السادس: طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أخرجه قاسم بن أصبغ في مسنده، تفرد سليمان به عن بقية أصحاب شعبة، حيث رواه عنه مرفوعًا،.»
قلت لقد طعنت في رواية هشيم عن شعبة بالرفع لأن هشيماً تفرد بها , ثم تناقضت وغمزت رواية سليمان بن حرب لتفرده عن شعبة بالرفع!!
ما هذا يا غامدي هشيم روايته شاذة لكونه تفرد به وكذلك سليمان بن حرب؟!
والحق خلافاً لما ادعيت عنها بل كلا الروايتين تتابع الأخرى عدا ما كان من سليمان وذكره لحبيب بن أبي ثابت بدلاً من عدي بن ثابت فهذه لم يتابع هشيم سليمان عليها.
ولعله غلط من الرواة أو تصحيف من النساخ و إلا فسليمان أجل , من هذا الوهم.
ومن عظيم غفلتك ما أعللت به رواية هشيم بن بشير من كونه مدلساً.
وقديماً قالوا من تكلَّم في غير فنه أتى بعجائب , ولو كنت مُحدثاً لما أعللتها بتدليسه!! كيف وقد صرَّح هشيم بالتحديث فيه عن شعبة في غير كتاب ممن عنى بتخريج هذا الحديث.
وعليه , لا تدليس من هشيم فيه!!
وبهذا الذي تقدم يتبين أن لك أخطاءً في الحديث , أو تداليساً , لا يمكن معها أن نثق بحديثك عنه بعدها. وخلاصتها فيما يلي:
الأول: أنَّك لم تدرك بأن الموقوف عن ابن عباس ربما بلغ حدَّ الرفع واحتمال الرفع عليه وارد لكونه لا يقال من باب الرأي!!
ثانياً: إذا كان الرفع محتملاً المحدثون لا يعلِّون المرفوع بالموقوف لأن النتيجة واحدة في آخر مطاف الأمر لمردِّ الموقوف إلى المرفوع!
ثالثاً: حكمت خطأً على رواية هشيم بالتفرَّد وقد تابعه سليمان بن حرب عليها.
رابعاً حكمت خطأً على رواية سليمان بالتفرد وقد تابعه هشيم بن بشير عليها.
خامساً: حكمت خطأً على رواية هشيم بالشذوذ لاحتمال تدليس هشيم فيها وقد عنعنه وهو قد صرح بالتحديث في بعض طرقه.
فهذه خمسة أخطاء في رواية واحدة فما بالك بغيرها , ناهيك وأنك لم تتخذ منهجاً سوياً في التعامل مع مرويات الوقف والرفع فكما أنَّك عمدت إلى تخريج أحاديث الرفع والكلام عليها صحة وضعفاً كان عليك أن تعامل مرويات الوقف كذلك إذ ربما كانت أضعف من روايات الرفع.
وقد زادني شكاً في صحتها سكوتك عنها فهلاَّ بينت صحتها ولو جملة كأن تقول عنها وروايات الموقوف كلها صحيحة!
على أنها إن لم تكن كُلَّها صحيحة فتكون دلَّست على القاري بأنها صحيحة وهي ليست كذلك لكونك رجحت روايات الوقف على الرفع لكونها رواية الثقات عن شعبة!.
كتبه: أبو جابر عبدالله محمد الأنصاري
¥