تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أمكنه تضعيفه منها، وكذا يُخشى أن يجرؤ على واجبات أخرى وطاعات فيهون من شأنها ويثبط عنها.

وقد كان العلماء يعظمون أحاديث الصحيحين ويهابون الكلام فيها، ومن ذلك قول الذهبي في الميزان في ترجمة خالد بن مخلد القطواني وقد جاء في إسناد حديث: ((من عادى لي ولياً)) في صحيح البخاري قال: ((لولا هيبة الجامع الصحيح لعَدُّوه في منكرات خالد بن مخلد، وما أشار إليه من وجود نكارة في الحديث غير مسلم وفيه نظر، وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري (ص 284): ((وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه))، وقال الشوكاني في شرح هذا الحديث في كتاب ((قطر الولي في شرح حديث الولي)) المطبوع ضمن كتاب ((ولاية الله والطريق إليها)) للدكتور إبراهيم هلال (ص218): ((ولا حاجة لنا في الكلام على رجال إسناده، فقد أجمع أهل هذا الشأن أن أحاديث الصحيحين أو أحدهما كلها من المعلوم صدقه، المتلقى بالقبول، المجمع على ثبوته، وعند هذه الإجماعات تندفع كل شبهة، ويزول كل شك، وقد دفع أكابر الأمة من تعرض للكلام على شيء فيهما، وردوه أبلغ رد، وبينوا صحته أكمل بيان، فالكلام على إسناده بعد هذا لا يأتي بفائدة يعتد بها، فكل رواته قد جاوزوا القنطرة، وارتفع عنهم القيل والقال، وصاروا أكبر من أن يتكلم فيهم بكلام، أو يتناولهم طعن طاعن، أو توهين موهِّن)).

وقد اقتصرت فيما كتبته على ما جاء عن الكاتب في صحيفة عكاظ، ولم أتعرض لما جاء عنه في صحيفة المدينة من تخبط في الكلام على بعض الأحاديث طلباً للاختصار واكتفاءً بما أوردته عنه في الكلمة السابقة من نماذج من تخبطه في التصحيح والتضعيف لبعض الأحاديث.

وفي الختام أشير إلى أمرين:

الأول: أن هذا الكاتب في إشهاره التثبيط عن صلاة الجماعة في بلاد محافظة عليها وكذا إظهاره فيما كتبه من قبل من تأييد اختلاط الجنسين في الدراسة والعمل وغير ذلك وأن لكلٍّ من الجنسين النظر إلى الآخر ومصافحته وأن الأجنبية تفلي رأس الأجنبي وتقص شعره وتحلقه وغير ذلك مما نقلته عنه في كلمة: ((أسوأ هذيان ظهر حتى الآن في فتنة اختلاط الجنسين في بلاد الحرمين))، كل ذلك يدل بوضوح على أن مثله لا يجوز أن يكون مسئولاً في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل ولا عضواً فيها؛ لأنه في واد وأعمال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في واد آخر، وبقاء مثله في هذا العمل بعد ظهور أمره وانكشاف حاله من علامات الساعة، فقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: متى الساعة؟ فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((فإذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وًسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) رواه البخاري (59).

الثاني: أن من واجبات ولاة أمور المسلمين المنع من إظهار كل شيء يعود عليهم ضرره في دينهم وأخلاقهم، لاسيما الكلام في الشرع بغير علم والخوض في الفتوى ممن ليس أهلاً لها، قال ابن القيم في إعلام الموقعين (4/ 217): ((من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص، ومن أقرّه من ولاة الأمور على ذلك فهو آثم أيضاً، قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية، وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطب الناس، بل هو أسوأ حالاً من هؤلاء كلهم، وإذا تعيّن على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنّة ولم يتفقه في الدين؟! وكان شيخنا رضي الله عنه ـ يعني شيخ الإسلام ابن تيمية ـ شديد الإنكار على هؤلاء، فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء: أجُعلت محتسباً على الفتوى؟! فقلت له: يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب؟!))، وقال أيضاً (4/ 207): ((رأى رجلٌ ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن يبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقال: استُفتي مَن لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم، قال: ولَبعضُ مَن يفتي ههنا أحق بالسجن من السرَّاق، قال بعض العلماء: فكيف لو رأى ربيعة زماننا وإقدام مَن لا علم عنده على الفتيا وتوثبه عليها ومَدَّ باع التكلف إليها وتسلقه بالجهل والجرأة عليها، مع قلة الخبرة وسوء السيرة وشؤم السريرة؟! وهو من بين أهل العلم منكر أو غريب، فليس له في معرفة الكتاب والسنَّة وآثار السلف نصيب!) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر الفتوى الحموية: ((وقد قال الناس: أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي؛ هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان)).

وأسأل الله عز وجل أن يحفظ هذه البلاد حكومة وشعباً من كل شر وأن يوفقها لكل خير وأن يقيها شر أعدائها قتلة الأنفس وقتلة الأخلاق، وأن يهدي من ضل إلى الصواب، إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

20/ 5/1431هـ،

عبد المحسن بن حمد العباد البدر

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير