تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن الخير كل الخير أن نتعلم أحكام ديننا وأن نعلم من نعول ما يلزمهم من أحكام الدين، لأننا مسؤولون عنهم أمام الله يوم القيامة، وإن ممن يجب أن نعتني ونهتم به المرأة المسلمة ــ مربية الأجيال وصانعة الرجال ــ في تعليمها أحكام دينها خاصة الطهارة التي ينبني عليها ثاني أركان الإسلام و هي الصلاة بل لها صلة قوية بثلاثة أركان من أركان الإسلام، الصلاة والصيام والحج.

ونظرا لخفاء كثير من الأحكام المتعلقة بالدماء الطبيعية ــ الخاصة بالنساء ــ على بعض المؤمنين والمؤمنات، رأيت أن أكتب هذه الرسالة عن الدماء الطبيعية والأحكام الشرعية المتعلقة بها لما لها من أهمية خاصة وبالغة من الناحية الشرعية، فإنه يتعلق بها أكثر من عشرين حكما من أحكام العبادات كالصلاة والصوم والحج وغيرها.

ولأهميتها من الناحية الطبية؛ حيث إن هذه الدماء باختلاف أنواعها من حيض ونفاس وغيرها تتعلق بسلامة الجهاز التناسلي للمرأة واضطرابات الحيض تتعلق بالحالة الصحية العامة للمرأة، بل إن حالتها النفسية تؤثر تأثيرا بالغا في الحيض وانتظامه.

إلى جانب أن الحيض هو أول علامة من علامات البلوغ لدى المرأة وتوقفه عند سن اليأس هو أول علامة من علامات انتهاء الحياة التناسلية. كل هذا الأمر هو الذي دعاني للكتابة في هذا الموضوع لكي تزداد المرأة وعيا بالأحكام الخاصة بها، ولتقف عند حدود الله في تصرفاتها ولتكون على بينة من الأحكام المطلوب منها اتباعها في كل شئونها.

يقول ابن عابدين رحمه الله: (اعلم أن باب الحيض من غوامض الأبواب خصوصا المتحيرة وتفاريعها؛ ولهذا اعتنى به المحققون وأفرده محمد ــ صاحب أبي حنيفة ــ في كتاب مستقل، ومعرفة مسائله من أعظم المهمات لما يترتب عليها من أحكام كثيرة، وكان من أعظم الواجبات؛ لأن عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به، وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها فيجب الاعتناء بمعرفتها) (6).

لذا وجب على المرأة أن تتعلم ما تحتاج إليه من أحكام الدماء الطبيعية كالحيض والنفاس والاستحاضة وغيرها. وعلينا أن نفتح أبواب المعرفة أمامها حتى يتسنى لها ما يسهل عبادة ربها وطاعته لكي تعبد الله على بصيرة فتنجو من عذاب الله يوم القيامة.

وهي تحتاج لمن يعلمها ويرشدها إلى أحكام دينها من أب أو أخ أو زوج أو غيرهم لسؤال العلماء، ويحرم على الزوج منعها من ذلك إلا أن يسأل هو ويخبرها فتستغني بذلك (7).

يقول ابن الجوزي رحمه الله: (وما زلت أحرض الناس على العلم؛ لأنه النور الذي يهتدي به، إلا أني رأيت النساء أحوج إلى التنبيه من هذه الرفدة من الرجال لبعدهن عن العلم وغلبة الهوى عليهن بالطبع فإن الصبية في الغالب تنشأ في مخدعها لا تلقن القرآن ولا تعرف الطهارة من الحيض، ولا كيف تتطهر، ولا تعلم أيضا أركان الصلاة ولا تحدث قبل التزويج بحقوق الزوج، وربما رأت أمها تؤخر الغسل من الحيض إلى حين غسل الثياب ... ) (8).

وإني لأعجب من نابته تسيء إلى العلماء الذين خدموا هذا الدين وخلفوا لنا ثروة فقهية هائلة فتتهم هؤلاء الأعلام بأنهم علماء حيض ونفاس وقد كان لهذه النابتة سلف فيما سبق.

قال الشاطبي رحمه الله: (عن إسماعيل بن علية قال: حدثني اليسع قال: تكلم واصل بن عطاء يوما ــ يعني المعتزلي ــ فقال عمرو بن عبيد: ألا تسمعون؟ ما كلام الحسن وابن سيرين ــ عندما تسمعون إلا خرقة حيض ملقاة.

وروي أن من زعماء أهل البدعة كان يريد تفضيل الكلام على الفقه فكان يقول: إن علم الشافعي وأبي حنيفة جملته لا يخرج من سراويل امرأة. وهذا كلام هؤلاء الزائغين قاتلهم الله) (9).

وقد بينت كل ما تحتاج المرأة المسلمة من هذه الأحكام في رسالتي هذه معتمدا فيها ــ بعد الله جل وعلا ــ على القرآن والسنة الصحيحة اللذين إذا استنبط منهما الفقيه الأحكام اطمأنت النفس وانشرح الصدر وتحققت براءة الذمة إن شاء الله تعالى.

وقد اجتهدت في إعداد هذه الرسالة لتكون وافية في شمولها وسلامتها وصحة منقولها في هذا الموضوع الهام بالنسبة للمرأة المسلمة.

وأسأل الله جل وعلا أن ينفع بها وأن يثيبني عليها وأن يجعل كل حرف مما كتبت في ميزان حسناتي. إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتبه

أبو محمد. أ. د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير