هؤلاء الذين رجعوا، والذين دخلوا المعركة جاء فيهم {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} آل عمران154
وفي يوم الأحزاب حدّث القرآن بما تكن صدورهم وبأحاديثهم الخاصة. ولك أن تراجعي الآيات (12 إلى 20) من سورة الأحزاب.
وفي يوم بني المصطلق نزلت سورة (المنافقون) كاملة.
ونزلت فيهم سورة التوبة (ويقال لها الفاضحة) ـ سترنا الله وإياكم بستره ـ تفضح حالهم، تقول: ومنهم الذين .. ومنهم الذين .. حتى كادت تسميهم بأسمائهم. كما يقول الرواة.
فالثابت هو فضيحة المنافقين والتحذير من كل ما يصدر منهم، مهما كان صغيراً، ومهما كان عدد الفاعلين قليلاً، فإن تتبعت الآيات التي نزلت في المنافقين وجدتها تحكي حديث رجلٍ مع نفسه كالذي قال يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا أو كالذي قال يوم الأحزاب (ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً)، أو رجل مع ابن زوجته، أو رجلين أو ثلاث يتحدثون في خلوة.
كله حديث سر لم يجاهر المنافقون بشيء منه. بل حين شيد المنافقون مسجداً كواجهة شرعية يحاربون من خلالها الدين وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لم يتركوا، أحرق مسجدهم. لاحظ: لم ينزع منهم المسجد ويصلي في المؤمنين، بل قوض بنيانهم. مع أنهم أقسموا أنهم ما أرادوا إلا الحسنى.
وكثيراً ما تجد في الآيات التي تعرضت للنفاق تسفيهاً لهؤلاء وتعريضاً بعقولهم وتهديداً لهم، مثل {وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} التوبة87َ {صرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون} التوبة127 {بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً} الفتح15 {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} المنافقون7 {وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} التوبة93 {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} النساء145
وهؤلاء يقولون ترك المنافقون يبدون بآرائهم، ويتحركون كما يحلوا لهم.
إنهم مخطئون .. أو يكذبون!!
فقط تركت الشريعة عقوبة المنافقين .. تركت قتلهم.وذلك لعلة ذكرت في الأحاديث (حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه). وحين أمن المنافقون العقوبة تمادوا فجاء التهديد بالعقوبة، وذلك قول الله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً. مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً} الأحزاب61} الأحزاب60
فتتبُعِ المنافقين وفضحهم أمر ثابت وعقوبتهم تخضع للمصالح والمفاسد بعد ذلك.
والأمر ليس خاصاً بالمنافقين فقط، بل إن الشريعة الإسلامية تعلن موقفها من الآخر .. كل الآخر من أول يوم، فقد تحدثت عن عيسى بن مريم في مكة، حديثاً مفصلاً، ولم يكن بمكة يومها نصارى إلا نفراً أو نفرين لا يكاد يسمع بهما أحد. فالوضوح المعرفي من الآخر كل الآخر هو ما نعرفه في شريعتنا، والتعامل مع الآخر هو الذي يخضع لعوامل أخرى، ما يقال عنه فقه الواقع.
وأمر المنافقين شديد، يقول تعالى في شأنهم {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} المنافقون4
أبو جلال / محمد جلال
صباح الأربعاء، 12/ 4 / 2010