تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالآيَةُ السَّابِقَةُ (يعنون قوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمُطَلَّقَاتِ، لأَنَّهَا ذُكِرَتْ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَهَذِهِ انْتَظَمَتْ الرَّجْعِيَّةَ وَالْبَائِنَ. بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ طَلاقِهَا وَاحِدَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلْعِدَّةِ إذَا أَرَادَ طَلاقَهَا بِالْآيَةِ. وَكَذَلِكَ {قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - لَمَّا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلاً}. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّطْلِيقَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ، فَإِذَنْ يَكُونُ قَوْله تَعَالَى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} قَدْ تَضَمَّنَ الْبَائِنَ وَالرَّجْعِيَّ.

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَفِيهِ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ. وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ مَكْتُومٍ}، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إسْقَاطَ السُّكْنَى، فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلاقٍ بَائِنٍ غَيْرَ حَامِلٍ لا سُكْنَى لَهَا. وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٌ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُوسٌ، وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُد. لَكِنْ إنْ أَرَادَ الْمُطَلِّقُ إسْكَانَ الْبَائِنِ فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَصْلُحُ لَهَا تَحْصِينًا لِفِرَاشِهِ، وَلا مَحْذُورَ فِيهِ لَزِمَهَا ذَلِكَ؛ لأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ. وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ {فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّهَا قَالَتْ: إنَّهُ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَةَ دُونٍ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: وَاَللَّهِ لأُعْلِمَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ لِي نَفَقَةٌ أَخَذْتُ الَّذِي يُصْلِحُنِي، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِي نَفَقَةٌ لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَتْ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لا نَفَقَةَ لَك وَلا سُكْنَى}.

فالأمر كما ترى فيه هذا الخلاف العريض والذين أوجبوا السكنى استدلوا بظاهر القرآن وإشارات بعض السنن والمخالفون استدلوا بالقرآن أيضا لكن مع نص من السنة صريح وهو حديث فاطمة بنت قيس. ويبدو لي أن من الصعب تأويل أو إهمال دلالة هذا الحديث.

وأما البائن بينونة كبرى فلارجعة لها حتى تتزوج برجل آخر ويدخل بها ثم يطلقها وذلك بنص القرآن والسنة.

والله أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير