تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والثاني أن المرأة وقفت خلف الصف ; لأنه لم يكن لها من تصافه ولم يمكنها مصافة الرجال ولهذا لو كان معها في الصلاة امرأة لكان من حقها أن تقوم معها وكان حكمها حكم الرجل المنفرد عن صف الرجال. ونظير ذلك أن لا يجد الرجل موقفا إلا خلف الصف فهذا فيه نزاع بين المبطلين لصلاة المنفرد وإلا ظهر صحة صلاته في هذا الموضع لأن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز. وطرد هذا صحة صلاة المتقدم على الإمام للحاجة كقول طائفة وهو قول في مذهب أحمد. وإذا كان القيام والقراءة وإتمام الركوع والسجود والطهارة بالماء وغير ذلك يسقط بالعجز فكذلك الاصطفاف وترك التقدم. وطرد هذا بقية مسائل الصفوف كمسألة من صلى ولم ير الإمام ولا من وراءه مع سماعه للتكبير وغير ذلك وأما الإمام فإنما قدم ليراه المأمومون فيأتمون به وهذا منتف في المأموم. وأما حديث أبي بكرة فليس فيه أنه صلى منفردا خلف الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع فقد أدرك من الاصطفاف المأمور به ما يكون به مدركا للركعة فهو بمنزلة أن يقف وحده ثم يجيء آخر فيصافه في القيام فإن هذا جائز باتفاق الأئمة وحديث أبي بكرة فيه النهي بقوله: (ولا تعد) وليس فيه أنه أمره بإعادة الركعة كما في حديث الفذ فإنه أمره بإعادة الصلاة وهذا مبين مفسر وذلك مجمل حتى لو قدر أنه صرح في حديث أبي بكرة بأنه دخل في الصف بعد اعتدال الإمام كما يجوز ذلك في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره لكان سائغا في مثل هذا دون ما أمر فيه بالإعادة فهذا له وجه وهذا له وجه. وأما التفريق بين العالم والجاهل كقول في مذهب أحمد فلا يسوغ فإن المصلي المنفرد لم يكن عالما بالنهي وقد أمره بالإعادة كما أمر الأعرابي المسيء في صلاته بالإعادة. وأما الأئمة المذكورون: فمن سادات أئمة الإسلام فإن الثوري إمام أهل العراق وهو عند أكثرهم أجل من أقرانه: كابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وأبي حنيفة وغيره وله مذهب باق إلى اليوم بأرض خراسان. والأوزاعي إمام أهل الشام وما زالوا على مذهبه إلى المائة الرابعة بل أهل المغرب كانوا على مذهبه قبل أن يدخل إليهم مذهب مالك. وحماد بن أبي سليمان: هو شيخ أبي حنيفة ومع هذا فهذا القول هو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهما ومذهبه باق إلى اليوم وهو مذهب داود بن علي وأصحابه ومذهبهم باق إلى اليوم فلم يجمع الناس اليوم على خلاف هذا القول ; بل القائلون به كثير في المشرق والمغرب. وليس في الكتاب والسنة فرق في الأئمة المجتهدين بين شخص وشخص فمالك والليث بن سعد والأوزاعي والثوري هؤلاء أئمة في زمانهم وتقليد كل منهم كتقليد الآخر لا يقول مسلم إنه يجوز تقليد هذا دون هذا ولكن من منع من تقليد أحد هؤلاء في زماننا فإنما نمنعه لأحد شيئين: أحدهما: اعتقاده أنه لم يبق من يعرف مذاهبهم وتقليد الميت فيه نزاع مشهور فمن منعه قال: هؤلاء موتى ومن سوغه قال: لا بد أن يكون في الأحياء من يعرف قول الميت. والثاني: أن يقول الإجماع اليوم قد انعقد على خلاف هذا القول. وينبني ذلك على مسألة معروفة في أصول الفقه وهي: أن الصحابة مثلا أو غيرهم من أهل الأعصار إذا اختلفوا في مسألة على قولين ثم أجمع التابعون أو أهل العصر الثاني على أحدهما فهل يكون هذا إجماعا يرفع ذلك الخلاف؟ وفي المسألة نزاع مشهور في مذهب أحمد وغيره من العلماء فمن قال: إن مع إجماع أهل العصر الثاني لا يسوغ الأخذ بالقول الآخر واعتقد أن أهل العصر أجمعوا على ذلك يركب من هذين الاعتقادين المنع. ومن علم أن الخلاف القديم حكمه باق ; لأن الأقوال لا تموت بموت قائليها فإنه يسوغ الذهاب إلى القول الآخر للمجتهد الذي وافق اجتهاده. وأما التقليد فينبني على مسألة تقليد الميت وفيها قولان مشهوران أيضا في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. وأما إذا كان القول الذي يقول به هؤلاء الأئمة أو غيرهم قد قال به بعض العلماء الباقية مذاهبهم فلا ريب أن قوله مؤيد بموافقة هؤلاء ويعتضد به ويقابل بهؤلاء من خالفهم من أقرانهم. فيقابل بالثوري والأوزاعي أبا حنيفة ومالكا إذ الأمة متفقة على أنه إذا اختلف مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة لم يجز أن يقال قول هذا هو الصواب دون هذا إلا بحجة , والله أعلم.

(مجموع الفتاوى 23/ 393)

وهذه الفتوى لمن أردها:

B

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير