أما حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وهي تحكي فتقول: "كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد بيني وبينه فيبادرني، حتى أقول: دع لي، دع لي"، فلا تعليق عندي عليه سوى قولي: كم ظلمنا أنفسنا حين غفلنا عن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم!
الحياة الهانئة ضرورة .. ومطلب ..
يروي لنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قولاً لنبينا صلى الله عليه وسلم يختصر لنا مفهوم السعادة الدنيوية فيقول: " ثلاثة من السعادة وثلاثة من الشقاء .. "، ويذكر في أول قائمة السعادة: "فمن السعادة المرأةالصالحة" وينص الحديث النبوي على أولى صفات هذه المرأة الصالحة فيقول: "تراها فتعجبك".
نسعى إلى الحياة الطيبة .. وفي ظني أننا لا نطلبها في مظانها دائماً ..
في حديثنا عن الزواج تجد التركيز على الجانب الفقهي والاجتماعي والأسري في العموم ونغفل غالبا جانب المتعة الشخصية وأقصد المتعة من أجل المتعة نفسها، فقليل مما يطرح في خطب الجمعة أو في الدراسات النفسية أو الاستشارات الاجتماعية والأسرية يطرق باب المرح والترفيه، ولكنك تجد الأمر محسوماً منذ زمن بعيد حين أطلقها الهدي النبوي في جملة "تلاعبها وتلاعبك" ..
وتأمل في لفظة "الملاعبة" فهي فعل من طرفين ..
أنت تلاعبها .. وأنتِ تلاعبينه ..
فإن كان في إحدى تلك الجوانب المذكورة في أول المقالة يكون للرجل أو للمرأة دور من "يقوم بأمر ما أو يقول شيئاً ما" وللآخر دور "من يستقبل آثار ذلك الفعل أو القول"، فإن الهدي النبوي يجعلها صريحة أن في لحظات الملاعبة والمضاحكة يكون الرجل والمرأة سواء ..
يداعبها وتداعبه .. ويلاعبها وتلاعبه .. يتبسم لها وتضحك له ..
يدغدغ مشاعرها بكلمة حب في حين هي تمر بأناملها على ذراعه فتشعره بأنوثتها التي يحبها وتبث فيه رجولته التي تحن إليها ..
يحفظ نبينا صلى الله عليه وسلم للمرأة حق التعبير عن أنوثتها .. ولها حق الدلال و"الشقاوة" في حدود بيتها .. ولست أقول حجرة نومها ..
فكل بيتك مسرح لـ "تلاعبها وتلاعبك" .. فأطلق لخيالك العنان ولا بأس .. فأنت لها وهي لك ..
يقول ابن حجر في الفتح معلقاً على حديث جابر:
"قوله (تلاعبها وتلاعبك) زاد في رواية النفقات"وتضاحكها وتضاحكك" وهو مما يؤيد أنه من اللعب ... وأما ما وقع في رواية محارب بن دثار عن جابر ثاني حديثي الباب بلفظ "مالك وللعذارى ولعابها"فقد ضبطه الأكثر بكسر اللام وهو مصدر من الملاعبة أيضا ... ووقع في رواية المستملي بضم اللام والمراد به الريق، وفيه إشارة إلى مص لسانها ورشف شفتيها، وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل، وليس هو ببعيد كما قال القرطبي". ا. هـ.
الزواج مدرسة إنسانية ضخمة ومؤسسة اجتماعية تتطلب مهارات وقدرات لإدارتها والعيش ضمن محاورها المتعددة، وكلنا يسعى للنجاح فيها ضمن أطر الجوانب المادية والإنسانية والفقهية وهوأمر جيد ومطلوب ..
ولعلنا أن نقرب من خط النجاح لو أننا أضفنا إلى معادلة الزواج نكهة لطيفة خفيفة .. ولذيذة .. مستوحاة من مشكاة النبوة .. نكهة "تلاعبها وتلاعبك" ..
المعادلة ليست صعبة
مما لا شك فيه أن الزواج كتلة من المسؤوليات والحقوق والواجبات، وحق أن على الزوج أن يكفي زوجته مادياً ونفسياً واجتماعياً وعاطفياً وجسدياً والزوجة لزوجها كذلك .. وكل ذلك يشعر الزوجين بأهمية الزواج ودوره في الحياة ..
ولكن النظرة الدافئة والكلمة الدافئة واللمسة الدافئة مع إيحاءات بالشوق وشيء من إشارات المودة و"الشقاوة" هي عناصر المعادلة التي تتيح للزوجين أن يشعرا بذلك الجانب الآخر من الزواج وهو "المتعة" ..
فالواقع يقدم لنا شواهد على ناحية مهمة يغفل عنها الكثير وهي أن بيوتنا - في عمومها- تفتقر إلى مفهوم "الفن" في الاستمتاع ..
وهي مشكلة أفرزتها مجموعة من العوامل تتقدمها أنماط التربية في مجتمعانا العربية والتي تتسم بالجفاء والغلظة والخشونة أو المبالغة في الحماية أثناء تنشئة أبنائنا وبناتنا فتتحطم أكثر براعم العاطفة لدينا ونحن صغار فنكاد لا نعثر على ما تبقى منها ونحن كبار ..
الزواج ليس حقوقا وواجبات فقط .. هو الرقة .. والحنان .. والعلاقة الحميمة .. والدفء .. والعشق ..
الملاعبة .. تأتي في صور عديدة .. يعرفها الزوجان .. وبها تتم الألفة بينهما وتكون المتعة .. وبها يهنأ البال وتحلو الحياة ..
¥