تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" والأصحّ هو القول الأوّل (أي في العامين)؛ ولا اعتداد برضاع فيما فوق ذلك، وما روي أنّ النبي أمر سَهْلَة بنتَ سُهيل زوجةَ أبي حُذيفة أن ترضع سالماً مولى أبي حذيفة لمّا نزلت آية {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} [الأحزاب: 4] إذ كان يدخل عليها كما يدخل الأبناء على أمّهاتهم، فتلك خصوصيّة لها، وكانت عائشة أمّ المؤمنين إذا أرادت أن يدخل عليها أحد الحجابَ أرضعتْه، تأوّلت ذلك من إذن النبي صلى الله عليه وسلم لِسَهْلة زوج أبي حذيفة، وهو رأي لم يوافقها عليه أمّهات المؤمنين، وأبَيْن أن يدخل أحد عليهنّ بذلك، وقال به الليث بن سعد، بإعمال رضاع الكبير. وقد رجع عنه أبو موسى الأشعري بعد أن أفتى به.

التحرير والتنوير3/ 451.

وقال ابن إبراهيم – رحمه الله -:" وأما رضاع الكبير الذي قد تجاوز الحولين فلا يؤثر ولا ينشر الحرمة، وهذا هو قول الجماهير من الصحابة والتابعين والفقهاء، وهو مذهب الإمام أحمد، وهو الصواب "

فتاوى ابن إبراهيم 11/ 154.

ونقل ابن عبد البر – رحمه الله -: " أنَّ هذا القول (أي عدم إنتشار الحرمة برضاع الكبير) هو مذهب جماعة فقهاء الأمصار ومنهم الأئمة الأربعة وأصحابهم، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، والطبري. وقال به من الصحابة: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وابن عباس، وسائر أمهات المؤمنين غير عائشة، وجمهور التابعين "

التمهيد 3/ 616.

وقال شيخ الإسلام – رحمه الله -:" والرضاع إذا حرم لكونه ينبت اللحم وينشر العظم فيصير نباته به كنباته من الأبوين وإنما يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة ولهذا لم يحرم رضاع الكبير لأنه بمنزلة الطعام والشراب ... " الفتاوى 3/ 167.

وهو أحد القولين له وإن كان القول بالتفصيل هو الأرجح فقد نقله عنه أئمة أعلام كابن القيم والشوكاني وغيرهم – رحمهم الله -.

المرجحات والقرائن على أن رضاع الكبير لا تنتشر به المحرمية غير ما سبق ذكره من النصوص والنقول:

المرجحات:

• أن راوية الحديث وهي عائشة – رضي الله عنها – هي التي روت لنا حديث " إنما الرضاعة من المجاعة " والقاعدة الأصولية تقول:

(العبرة بما روى الراوي لا بما رأى).

• أن عمل الصحابة جميعهم على خلاف عمل عائشة – رضي الله عن الجميع – كما نقل البابرتي – صاحب كتاب العناية – ولا يتفق في سُنةٍ أن لا يعمل بها أحد من الصحابة سوى واحد فقط مع بلوغها لهم (وفرق هنا بين الرواية والعمل).

• أن الخلاف عند أهل العلم قائم على عمل الصحابي الذي لم يوجد له مخالف من الصحابة هل يعتبر حجة أم لا؟ فما بالك بعمل لم ينقل عن أحدهم العمل به سوى عائشة – رضي الله عن الجميع – بل نقل مخالفتهم له , مع ورود الدليل وعلمهم به , كما هو الحال مع أمهات المؤمنين – رضي الله عنهن -.

• أن القول بالإطلاق ينسبه القائلون به إلى حديث عائشة – رضي الله عنها – والقائلون بالتفصيل ينسبونه لحديث عائشة أيضا , فهنا يقع اضطراب في المآخذ والقاعدة الأصولية تقول

" إذا طرق الدليل الاحتمال بطل به الاستدلال ".

ولعلي أكتفي بهذه المرجحات أما القرائن على أن رضاع الكبير خاص بسالم مولى أبي حذيفة – رضي الله عنهما -:

القرائن

• أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا لسهلة زوجة أبي حذيفة , ولم يقله لغيرهم مع أن أسامة بن زيد – رضي الله عنه وعن أبيه – هو أبن زيد بن حارثة والذي ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يدخل عليه في كل وقت وكان بالمنزلة العظيمة عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان حِبه وأبن حِبه , ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالرضاعة , وأوضح من ذلك أنس بن مالك – رضي الله عنه – خادمه الذي يخدمه في بيته ويطلع على بعض الأمور التي لا يطلع عليها غيره كحال الخادم مع مخدومه ولم يثبت هذا في حقه.

• أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لسهلة امرأة أبي حذيفة في إرضاع سالم كان بينه وبينها ولم يكن مشهورا حتى بلغته عائشة – رضي الله عن الجميع – ولو كان عاماً لكان إنتشاره أظهر من هذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير